البعثة الأممية والشباب الليبي.. بين مسرح الحوارات الشكلية وصوت الوطن الحقيقي

بقلم/ فرج الشقار
شاهدنا إعلان بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن لقائها مع ما سمّي بـ”منتدى حوار الشباب السياسي” بحضور الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة السيدة هنّا تيتيه، فإننا نجد أنفسنا أمام مشهد مألوف يتكرر منذ سنوات، عنوانه الحوارات الانتقائية التي لا تمثل الإرادة الحقيقية للشباب الليبي، ولا تعبّر عن الموقف الوطني الجامع مع احترمنا للبعض منهم، الذين نتوسم فيهم خيراً لتواجدهم كافراد وطنيين، ولكن البعثة بنفس الأسلوب تكتفي باستدعاء مجموعات محدودة لا تمثل إلا نفسها، مهما حاولت بالشعارات المرفوعة إضفاء صبغة شمولية على المشهد.
لقد أكدنا، ونؤكد مجددًا، أن الحل السياسي الحقيقي لن يولد من لقاءات مغلقة أو تمثيل شكلي، بل من حوار وطني شامل ينطلق من الداخل ويعتمد على إرادة الشعب، بعيدًا عن الوصاية الخارجية والمصالح الإقليمية التي باتت تتحكم في مسار الأزمة. إن مستقبل ليبيا لا يمكن أن يُبنى إلا على مشروع وطني واضح، يقوم على إنهاء كافة الأجسام السياسية التي فقدت شرعيتها، وعقد مؤتمر وطني جامع يضم كل الأطياف الليبية، يتفق فيه على شكل الدولة وثوابتها الوطنية، مع استعادة القرار الوطني الحر، وخروج جميع المرتزقة، وحل التشكيلات المسلحة، ودعم توحيد المؤسسة العسكرية، وصولًا إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة تنهي المراحل الانتقالية وتعيد الشرعية للمؤسسات.
هذا الموقف ليس جديدًا أو طارئًا، بل هو رؤية وطنية أكدتها فعاليات شبابية حقيقية سابقة، وعلى رأسها ملتقى القيادات الشبابية في الجنوب الليبي المنعقد في 27 نوفمبر 2021، والذي جمع قيادات شابة من مختلف المناطق، وأكد على ذات المبادئ التي نطرحها اليوم: رفض الوصاية، إنهاء الأجسام الحالية، والذهاب نحو مؤتمر جامع وانتخابات شاملة. وهو ما يثبت أن ما ندعو إليه يعبر عن توجه وطني واسع، وليس اجتهادًا فرديًا أو موقفًا معزولًا.
ومن هذا المنطلق، فإننا نوجّه الدعوة إلى عقد ملتقى شباب ليبيا العام الحقيقي، ليكون تتويجًا للمسارات الوطنية التي انطلقت في سبها، وبنغازي، وبني وليد، وليجمع تحت سقفه كافة التيارات السياسية والفكرية والشبابية من مختلف أنحاء البلاد، للخروج برؤية موحدة وميثاق شرف شبابي، يحدد الثوابت الوطنية وأهداف المرحلة المقبلة، ويضع أمام الشعب الليبي والعالم خريطة طريق وطنية خالصة، بعيدًا عن الانتقائية والتلاعب بملف الشباب لخدمة أجندات خارجية.
إن ما جرى في الاجتماع الأخير للبعثة، مهما كانت نواياه المعلنة، لا يسهم في الحل، بل يزيد المشهد تعقيدًا، ويكرّس حالة العبث السياسي التي تتبناها أطراف دولية وإقليمية لتحقيق مصالحها على حساب استقرار ليبيا. فالواقع يؤكد أن البعثة الأممية، بشكلها الحالي، تخضع لتجاذبات النفوذ، مما يجعلها جزءًا من المشكلة لا جزءًا من الحل.
إن الشباب الليبي الوطني، الذي يعرف حجم التضحيات المطلوبة لبناء الدولة، لن يقبل أن يكون أداة لتجميل مشهد عبثي أو غطاء لتمرير سياسات تحت الوصاية. لقد قال الشباب كلمتهم بوضوح في محطات سابقة، لكن من يتصدر المشهد الدولي يسعى إلى إطالة أمد الأزمة بدل إنهائها. والحل كان ولا يزال واضحًا، إلا أن إرادة القوى المتدخلة هي التي تعرقله من أجل استمرار حالة الفوضى التي تخدم مصالحها.
إننا نرفض المتاجرة بقضية الشباب أو استغلالها كوسيلة لتبرير مسارات لا تعبّر عن الإرادة الوطنية، ونؤكد أن صوت الشباب الحقيقي سيبقى منحازًا للوطن، ساعيًا للخروج من النفق المظلم، ومتمسكًا بالحق في تقرير المصير بعيدًا عن أي وصاية أو تدخل خارجي.