الطعم المخابراتي

بقلم/ عفاف الفرجاني
الخيانة ليست مجرد خلاف سياسي أو اجتهاد عابر، بل هي أخطر الجرائم التي يمكن أن ترتكب في حق الوطن. إنها خنجر مسموم يطعن الجسد من الداخل، ويفتح الأبواب مشرعة أمام الغزاة والمتآمرين. والخيانة لا تصدر إلا عن نفوس باعت ضمائرها وارتمت في أحضان الأعداء، لتتحول إلى أدوات رخيصة في مشاريع التآمر على الشعوب.
لقد عرفت أمتنا هذا النموذج جيدًا، حين تحالف بعض أبنائها مع قوى خارجية تحت شعارات زائفة كالحرية والديمقراطية، بينما الهدف الحقيقي كان تجريد الشعوب من ثوابتها وضرب ركائز أمنها الوطني. في تلك اللحظة تحولت الأكاذيب إلى أسلحة، والشائعات إلى قنابل أشد فتكا من الرصاص. ومن أخطر ما روج حينها اتهامات ملفقة ومفتعلة استعملت لتأليب الرأي العام العالمي، وإضفاء شرعية وهمية على التدخل العسكري وتدمير وحدة البلاد.
إن خطورة هذا النموذج من الخونة لا تكمن في انحيازهم فحسب، بل في مشاركتهم النشطة في صناعة وترويج تلك الأكاذيب، ليصبحوا شركاء مباشرين في جريمة اغتيال الحقيقة وتشويه سمعة الوطن. وما إن يفرغ العدو من استغلالهم حتى يلقي بهم جانبا، ليواجهوا مصيرا غامضا أو يستعملون كورقة ضغط جديدة ضمن لعبة استخباراتية قذرة. هكذا يصنع “الرمز الإعلامي”: شخصية تضخم وتقدم كضحية، بينما يخفى تاريخها الحقيقي ويستثمر غيابها في إذكاء الفوضى وبث الانقسام.
والأخطر من كل ذلك أن هذه الشخصيات تستعمل عمدا كأدوات لتأليب الشارع على مؤسساته الوطنية، فتتحول إلى لافتات إعلامية مشوهة تستهدف ضرب ثقة الناس بجيشهم وأمنهم، وزرع الشكوك في جدوى الدولة وقدرتها على الصمود. فحين يضعف الإيمان بالمؤسسات، يسهل على العدو فرض أجنداته وتحويل المجتمع إلى ساحة فوضى مفتوحة.
لكن الأخطر من الخيانة بحد ذاتها هو انجرار الشارع وراء الأكاذيب دون وعي أو تحقق. فما زال البعض يصدق كل ما يبث، وكأن دروس السنوات الماضية لم تكف لتحصين العقول. إن تصديق الشائعات يمنح الأعداء فرصة ذهبية لاختراق الصف الوطني وإضعاف تماسكه.
في تقديري ومن واجبنا اليوم أن ندرك أن هذه الملفات ليست إلا حلقات من حرب نفسية شرسة، تتشابك فيها خيانة الداخل مع مؤامرات الخارج لإضعاف إرادةالأمة وضرب مؤسساتها السيادية، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية التي بقيت سدًّا منيعًا في وجه الميليشيات والظلاميين.