مقالات الرأي

الاحتياطيات النفطية والاختيار بين الساعة الرملية والنافذة الذهبية

بقلم/ عبدالفتاح الشريف

تناولنا في المقال السابق الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية للاحتياطيات النفطية، كما تناولنا التحديات التي تواجه الدول التي تعتمد على إنتاج وتصدير النفط، ومن بين هذه التحديات التحول الأخضر إلى الطاقات المتجددة والنظيفة، وكذلك الاستثمار في الطاقة النووية بعد أن شهد هذا القطاع تطورات تقنية ساعدت على التحكم في خفض تكلفة الاستثمار وتكلفة التشغيل وسهولة معالجة النفايات النووية والتخلص منها.

وكما أسلفنا، فإن الدول النفطية في حاجة ملحة إلى التعجيل بتنمية وتطوير احتياطياتها واستغلالها وتوظيفها في قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية وخلق التنمية المستدامة، وتنويع مصادر الدخل، وبناء اقتصاد بديل بعيدًا عن الاقتصاد الريعي.

ولضمان الاستقرار الاقتصادي في المدى الطويل، والمرونة في المدى القصير في ليبيا التي يعتمد اقتصادها أساسًا على إنتاج وتصدير النفط، يجب العمل على زيادة احتياطيات النفط، وذلك لتعظيم قيمة الأصول في باطن الأرض من خلال اتخاذ إجراءات عملية تهدف إلى التوسع في أعمال الاستكشاف، والاستثمار في التكنولوجيا، والعمل على تمويل المسوحات السيزمية والتقنيات المتقدمة، واستخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة والخرائط ثلاثية الأبعاد لتحديد مواقع جديدة لاحتياطيات النفط والغاز، والمساعدة في تحقيق اكتشافات جديدة، والتوجه نحو مواقع جديدة مثل المياه الإقليمية العميقة والمناطق الصحراوية الوعرة.

كما يجب الاهتمام بالإدارة المستدامة لاحتياطيات النفط والغاز، ووضع خطط لإدارة الموارد بحيث يتم استخدامها بكفاءة، والحيلولة دون استنزافها بشكل مفرط، وذلك بالتعامل معها على أساس أنها ثروة ناضبة.

وكذلك العمل على تهيئة بيئة استثمارية جاذبة، وتقليل الإجراءات البيروقراطية، وإعادة تقييم بعض شروط التعاقد الحالية التي تضعف من تنافسية قطاع النفط في ليبيا، وذلك بتقديم بعض الحوافز الضريبية (العادلة) للشركات النفطية العالمية العاملة في مجال الاستكشاف، خاصة في المناطق عالية المخاطر مثل المياه العميقة (deep waters)، وربط هذه الحوافز بما يتم استكشافه وإنتاجه، أسوة بالمزايا التي تمنحها بعض الدول المنتجة للنفط. وفي هذا الصدد نشير إلى المزايا التي منحتها غويانا لشركة “إكسون موبيل”، والتي أسهمت في زيادة الاحتياطيات بـ11 مليار برميل خلال الفترة (2015–2023).

كما يجب الاهتمام بتحسين كفاءة الإنتاج باستخدام تقنيات الاستخراج المحسن (EOR) بحقن ثاني أكسيد الكربون والفيضان الكيميائي، لاستخراج 30% إلى 60% إضافية من الحقول القائمة، والاهتمام بالصيانة الدورية للبنية التحتية مثل خطوط الأنابيب والمنشآت النفطية لتقليل الفاقد.

ومن الضروري الإشارة في هذا الصدد إلى أهمية اتباع مبادئ الشفافية والإفصاح عن الاحتياطيات المؤكدة، وذلك باستخدام معايير **SPE-PRMS** عند إصدار التقارير عن الاحتياطيات، لتعزيز المصداقية وجذب المستثمرين، والحرص على إبعاد المؤسسة الوطنية للنفط عن التجاذبات السياسية، والعمل على تنويع محفظة الطاقة باستثمار عوائد النفط في القطاعات المكملة والمماثلة مثل الغاز الطبيعي والمصافي والبتروكيماويات والطاقات المتجددة.

أي أنه يجب الإسراع في توظيف الاحتياطيات، واستخدام عوائد النفط الحالية لتمويل محطات الطاقة الشمسية، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، وتسريع إنتاج الحقول ذات التكلفة المنخفضة، واستخدام العوائد في بناء البنية التحتية للطاقة المتجددة.

وبالرغم من تأثير الإنتاج المتسارع على خفض عمر الاحتياطيات، فإنه يظل ضروريًّا لتمويل عملية التحول.

كما يجب التفكير في تحويل البنية النفطية القائمة إلى أصول خضراء، فمثلًا يمكن استخدام خطوط أنابيب الغاز في نقل الهيدروجين الأخضر، وتحويل الحقول المهجورة والمنصات البحرية إلى مراكز احتجاز الكربون (CCUS)، مثلما حدث في تحويل المنصات البحرية في بحر الشمال.

والعمل على تدريب مهندسي النفط على تكنولوجيا احتجاز الكربون كما تم في مشروع “حزمه” في الجزائر، وتدريب الكوادر النفطية على إدارة مشاريع الهيدروجين الأخضر (إنتاجًا وتخزينًا ونقلًا وتوزيعًا)، كما هو الحال في نيجيريا التي تسعى إلى تدريب 10,000 مهندس بحلول عام 2030 لإدارة مشاريع الهيدروجين الأخضر، التي تعد من أهم المشاريع الاستراتيجية التي يجب علينا التفكير فيها، وذلك باستخدام الطاقة الشمسية في إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث بدأت كل من مصر والمغرب والسعودية وعُمان فعليًّا في تنفيذ هذه المشاريع، وتخطط الجزائر ونيجيريا وتونس لإقامة مشاريع مماثلة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بهدف التصدير والاستهلاك المحلي كبديل عن الغاز.

كما يجب التوقف عن حرق الغاز المصاحب لإنتاج النفط، واستغلاله في إنتاج الكهرباء مثل مشروع “ديب فلو” في نيجيريا، الذي وفّر أكثر من 3 مليارات دولار من الإيرادات.

ويجب أيضًا بناء مزارع لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في الأراضي غير الزراعية، وتوجيه الغاز المستخدم في إنتاج الكهرباء للتصدير، وخفض استهلاك واستيراد الديزل والزيت الثقيل، وتوفير مليارات الدولارات للخزانة العامة.

ونشير هنا إلى ما تقوم به الجزائر حاليًّا من بناء أكبر مزرعة لإنتاج الطاقة الشمسية في إفريقيا بقدرة 4000 ميغاوات بتمويل من صندوق التنمية الوطني، وذلك لتنويع مصادر الطاقة وخفض الانبعاثات الكربونية، وتوجيه الغاز المستخرج للتصدير.

وختامًا، علينا الاختيار بين الساعة الرملية والنافذة الذهبية قبل فوات الأوان؛ فبدلًا من أن يكون التحول الأخضر نهاية المطاف للدول النفطية، يجب أن نجعله فرصة ذهبية لاختبار قدراتنا على الابتكار، وتحويل الاحتياطيات النفطية إلى بنية تحتية خضراء، وإعادة تدوير الكوادر النفطية في قطاعات التكنولوجيا النظيفة، أو الانقراض الاقتصادي.

زر الذهاب إلى الأعلى