إرادة المقاومة في مواجهة استراتيجية الإبادة

بقلم/ ناصر سعيد
لم يعد الحديث عن التوسع الاستيطاني للكيان الصهيوني المغتصب مجرد تحليل نظري أو تحذير استباقي، بل تحول إلى سياسة معلنة بكل وقاحة، فبعد أن أعلن رئيس وزراء الكيان -المتهم بارتكاب جرائم حرب أمام المحاكم الدولية- عن مشروعه التوسعي تحت مسمى “إسرائيل الكبرى”، زاعمًا أنه “واجب ديني” و”مسؤولية تاريخية”، أصبح من الواضح أننا أمام استراتيجية ممنهجة للإبادة والتفكيك، تهدف إلى تمزيق الأمة وإخضاعها.
الحرب البربرية التي تشنها آلة القتل الصهيونية على غزة ليست مجرد “عملية أمنية” كما يدَّعون، بل جزء من مخطط أوسع، فاستهداف المقاومة في فلسطين، وحملات الترهيب في جنوب لبنان، وتفكيك سوريا عبر الميليشيات المدعومة من الاحتلال، وتسريع التطبيع مع بعض الأنظمة العربية، واستغلال ما يسمى “الاتفاقيات الإبراهيمية” لتطويق المقاومة، كلها حلقات متصلة في سلسلة واحدة، الهدف واضح: إضعاف محور المقاومة، عسكريًّا وسياسيًّا، تمهيدًا لإعلان المشروع التوسعي الصهيوني دون أي اعتبار للقانون الدولي أو حقوق الشعوب.
في ظل انهيار الدور العربي الرسمي، تبدو المعادلة -ظاهريًّا- لصالح المشروع الصهيوني. فمع وجود إدارة أمريكية تُدار بأوامر اللوبي الصهيوني، وأنظمة عربية وصلت إلى درجات مهينة من الخنوع، أصبحت هذه الأنظمة عاجزة عن الدفاع حتى عن نفسها، فما بالنا بقضية العرب المركزية؟ لقد تحولت من دروع لحماية الشعوب إلى أدوات لتمرير أجندة الاحتلال، تتنافس على كسب رضا واشنطن وتل أبيب، وتتخلى عن غزة كما تخلت من قبل عن القدس.
لكن، وسط هذا المشهد القاتم، تبرز إرادة المقاومة كقوة قادرة على إفشال المخططات الصهيونية، فالصمود الأسطوري لأهل غزة، والردع القوي لمقاومة حزب الله في لبنان، وثبات المقاومين في العراق واليمن، ودعم إيران لمحور المقاومة، كلها عوامل تؤكد أن طريق “إسرائيل الكبرى” لن يكون مفروشًا بالورود، نعم، المعركة غير متكافئة، والتضحيات هائلة، لكنها معركة إرادات تحوَّلت من مواجهة عسكرية إلى اختبار تاريخي لإرادة الأمة.
قد يُغرق الاحتلال الأرض بدماء الأبرياء، وقد يحوِّل المدن إلى ركام، لكنَّه لن يغيِّر سنَّة التاريخ: فكل مشروع يقوم على القتل والسرقة محكوم بالفشل.
كما تهاوت إمبراطوريات الاستعمار من قبل، سيتهاوى هذا الكيان أيضًا، لأن إرادة الشعوب لا تُقهر، ولأن جذور الحرية أعمق من كل مؤامرات التفكيك وأقوى من كل آلات البطش.
إن الشعوب قد تتألم، لكنها لا تموت، وقد تنكسر لحظة، لكنها لا تنكسر أبدًا، فهي تصنع من دماء الشهداء جسورًا نحو فجر جديد، ومن ركام المدن نهضة تكتب النهاية المحتومة لكل احتلال.