هل ستمرر البعثة إرادة الأجانب وسلطة النهب أم ستنحاز لإرادة الليبيين؟

بقلم/ د. محمد جبريل العرفي
الصراع اليوم بين غالبية الليبيين من جهة، والمستفيدين من الوضع القائم من جهة أخرى؛ أولئك الذين لا يريدون التخلي عن الكراسي طوعًا، وتتوافق إرادتهم مع المستعمر الأجنبي الذي يسعى إلى إبقاء ليبيا مستباحة.
تواجه هؤلاء عقبتان: إحداهما تشريعية، ممثلة في رئاسة مجلس النواب، والأخرى أمنية، وهي قيادة القوات المسلحة.
الهدف التكتيكي للعدو إزالة أيٍّ من هاتين العقبتين؛ فحل مجلس النواب يُعري القوات المسلحة من غطائها الشرعي، والمسّ بالقوات المسلحة يُزيح السند الذي هيّأ الظروف الآمنة للمجلس.
يستخدم العدو الحرب والفتن كأسلوب خشن، أو السعي إلى وسيلتين ناعمتين: أولاهما: إقرار دستور “تورا بورا” المفخخ، لصنع دولة ظلامية كطالبان، ومتصهينة كجارة الكيان، ومتخشبة كلبنان.
الثانية: انتخاب مجلس نواب فقط، دون رئيس دولة بصلاحيات قوية، لكونهم اكتووا بنيران الرؤساء الأقوياء في الجزائر ومصر وتونس.
أما الهدف الاستراتيجي فهو تمكين “جولانينا” من الحكم، ليُطبّع مع الكيان، ويحقق حلم “إسرائيل الكبرى” تمهيدًا تفكيك الجيش المصري، وإسقاط ثورة يونيو، عبر تحويل ليبيا إلى شوكة في خاصرة مصر الغربية.
كما يشمل الهدف صناعة صهيونية إسلامية تقودها “جبهة النصرة”، تستهدف إيران وباكستان ولبنان والعراق ودول الخليج، لتطويق الصين.
هذه هي أهداف (الصهيوانجلوساكسونية) تدمير الجيوش وتفتيت الدول، مستخدمةً في ذلك جماعة الإخوان، والنهّابين، والجهلة، والعاجزين، كما حدث في “ضَحْكة الصخيرات” وتفكيك الجيش السوري.
يتحقق الهدفان الاستراتيجيان (إسرائيل الكبرى وتطويق الصين) عبر نقلات تكتيكية.
إحدى هذه النقلات ستتضح 2025.8.21 ولا أتوقع أن يسمح الانجلوساكسون للمبعوثة بتنفيذ إرادة غالبية الليبيين الداعين إلى المسار الرابع: المتمثل في انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة، وتشكيل حكومة جديدة، ورفض مسودة “تورا بورا”.
فقد تتبنى المبعوثة المسار الثاني، لكي “يُنتخب مجلس تشريعي من غرفتين خلال عامين، وتُناط صياغة الدستور والمصادقة عليه إلى مجلس الشيوخ، الذي سيُنظم لاحقًا الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.
الواضح أن الأنجلوساكسون ومركز الحوار المخابراتي، الذين شكّلوا اللجنة الاستشارية، قد انخدعوا ببعض عناصرها، حيث تسربت إليها شخصيات وطنية فرضت المسار الرابع، الداعي إلى إعادة الأمر إلى الشعب عبر مؤتمر تأسيسي، رغم أن الصياغة كانت مفخخة بعبارة “استبدال الأجسام السياسية الحالية بمجلس تأسيسي”، ما أثار حفيظة “عباد الكراسي” ضده.
المسارات الثلاثة الأخرى تدور حول بدائل للانتخابات، رغم غياب الشروط الخمسة للبيئة المناسبة لإجرائها: (قواعد عادلة لإجرائها، وقوة محايدة لحمايتها، وجهة عادلة للإشراف عليها، وعين نزيهة لرقابتها، والقبول بالنتائج)، وإلا فالانتخابات ستُفاقم الأزمة الليبية ولن تحلها.
الإيجابي في المسار الثالث أنه أعلن شهادة وفاة لمشروع دستور “تورا بورا” 2017، ودعا إلى استكشاف إمكانية صياغة دستور جديد.
أوصت اللجنة بالتوصل إلى تسوية سياسية قبل اعتماد أي مسار، لكن من يُطلب منهم القيام بالتسوية لا ينوون مغادرة المشهد. فأيهما أولًا: الدجاجة أم البيضة؟ التسوية أم المغادرة؟
كما دعت إلى إعادة تشكيل مجلس المفوضية، ومنحه استقلالًا ماليًا، وتعديل الإعلان الدستوري والقوانين الانتخابية، وإنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات، واعتماد مدونة سلوك سياسي، والاتفاق على سلطة تنفيذية بولاية وإطار زمني محددين، لكن هذه الصياغة مفخخة أيضًا، لأنها أبقت الباب مواربًا أمام استمرار “الدبيباتشيلد”، الذي ازداد انبطاحًا للأجانب من أجل البقاء في الكرسي، مثلما ظهر في لقاء إسطنبول، وقبل ذلك مع المبعوث مسعد.
وتأثرًا بالانتفاضة الشعبية ضد البعثة، دعت اللجنة للعمل “بحسن نية” معها.
أما “الإجماع الوطني” الذي دعت إليه اللجنة، فالبعثة أول منتهكيه، إذ أقصت الليبيين، وقربت سلطة فاقدة للشرعية.
من ناحية أخرى الصريرات تدخلت في انتخابات رئاسة مجلس الدولة لنسف التفاهم بين المشري ومجلس النواب.
ثالثة الأثافي: اختطاف عشرين عضوًا للجنة الدستور، وتحييد البقية ربما بغنيمة الرواتب، حول اللجنة من جهة فنية محايدة إلى طرف سياسي، ليتبنى رئيسها الجديد انتخابات برلمانية فقط، واعتماد دستور “تورا بورا”، وهو ما يتوافق مع استراتيجيات الإخوان والنهّابين.
وقد نُفخت الروح في لجنة الدستور رغم صدور ثلاث شهادات وفاة:
الأولى: وفق الإعلان الدستوري، حيث حُددت مدتها بـ 120 يومًا تبدأ في 1.4. 2014 وتنتهي في 31.7. 2014، لكنها استمرت حتى 2015 دون شرعية.
الثانية: وفق اتفاق الصخيرات، حيث حددت المادة 52 أن يستمر عمل اللجنة حتى 24.3. 2016، وإن لم تُنجز الدستور تُشكل لجنة من 5 من النواب ومجلس الدولة تنظر في الملف.
الثالثة: وفق وثيقة تسليم المسودة في 8/2/2017.
ورغم ذلك، استمرت اللجنة لثماني سنوات.. ولا تزال، دون حياء، وضع حدّ لهذا العبث مسؤولية القضاء والنيابة والأجهزة الرقابية.
فالدستور يُكتب في أوقات الهدوء، وبالتوافق بين جميع المواطنين، ليطيعوه ويحترموه ويدافعوا عنه. ولهذا فهو يقع في المرتبة الخامسة على سلّم أولويات حل الأزمة الليبية.
الحل السياسي السلمي والعادل والدائم، هو إقامة مؤتمر تأسيسي، يبدأ بتحديد أطراف المشهد دون إقصاء، ويسمي كل طرف مندوبيه دون وصاية من خارجه.
يتولى المؤتمر تحديد الثوابت الوطنية، وشكل الدولة ونظامها، ويحيل مخرجاته إلى لجنة فنية لصياغة دستور دائم.
كما يُشكل المؤتمر إدارة مؤقتة لتوفير الخدمات، وتهيئة البيئة للانتخابات، للعبور نحو المرحلة الدائمة.
يبقى الأمل معقودًا على الحراك الشعبي المحمي بالقوات المسلحة، لفرض إرادة الليبيين على البعثة والمجتمع الدولي، واقتلاع المتشبثين بالكراسي.