مقالات الرأي

من غزَّة إلى ضمير العالم: التضامن العالمي كصرخة ضد الإبادة وشراكة الجريمة

بقلم/ محمد علوش 

في واحدة من أحلك لحظات التاريخ الإنساني المعاصر، تقف فلسطين، وبخاصة غزّة، شاهدةً دامغة على جريمة إبادة جماعية تنفَّذ بدم بارد أمام أعين العالم، وبغطاء سياسي وعسكري واقتصادي من الولايات المتحدة الأمريكية لشريكتها الاستراتيجية إسرائيل، التي تجاوزت كلّ حدود العدوان والاستعمار، لتتحول إلى آلة قتل جماعي لا تعرف الرحمة.

لقد بات واضحًا أنّ ما يجري في الأرض الفلسطينية المحتلة، لا سيّما في قطاع غزّة، ليس حربًا عادية ولا مجرد “عملية عسكرية” كما تحاول أبواق الاحتلال تصويره، بل هو مشروع إبادة منظّم يستهدف اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، وتدمير مقدرات حياته، ومسخ وجوده التاريخي والثقافي، عبر القتل الجماعي والتجويع والحصار وتدمير البنى التحتية وتشريد مئات الآلاف، في انتهاك سافر لكلّ مواثيق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف وقرارات الأمم المتحدة.

وفي قلب هذه المأساة المفتوحة، ينهض ضمير العالم الحر ليقول كلمته، فالشعوب لا تموت، والحرية لا تقمع بالدبابات، من شوارع جنوب أفريقيا إلى أزقّة بيروت، من كيب تاون إلى سانتياغو، ومن نيويورك إلى طوكيو، يرفع أحرار العالم صوتهم تضامنًا مع فلسطين، ويدركون أن الصمت ليس خيارًا، وأن من يلتزم الحياد في لحظة الظلم، إنما يقف في صف الجلاد.

إن التضامن العالمي اليوم ليس مجرّد فعل رمزي أو أخلاقي، بل هو موقف سياسي مقاوم، يفضح زيف الديمقراطيات الغربية التي تتشدق بحقوق الإنسان فيما تصمّ آذانها عن صرخات أطفال غزة، وتتواطأ في تمويل آلة الحرب، وتزوّد الاحتلال بالأسلحة والغطاء السياسي في المحافل الدولية، ولقد سقط القناع عن وجه الإمبريالية الأمريكية التي لا تتورّع عن دعم الكيان الصهيوني في كل جريمة، وهي تعلم علم اليقين أنها شريك مباشر في سفك الدم الفلسطيني.

من هنا، فإنّ أهمية التضامن العالمي لا تكمن فقط في تحريك الشارع الدولي أو إدانة العدوان، بل في تشكيل جبهة مقاومة عالمية ضد الإمبريالية والاستعمار والعنصرية، ومن أجل بناء عالمٍ أكثر عدالة وتوازنًا، يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية بصفتها قضية تحرر وطني وإنساني وقضية عادلة في وجه الاستعمار الاستيطاني.

إن على حركات التحرر في العالم أن ترى في فلسطين مرآةً لنضالاتها، وفي نضال الشعب الفلسطيني نموذجًا للصمود الأسطوري في وجه واحدة من أعتى قوى البطش في العالم، فالوقوف مع فلسطين هو في حقيقته وقوفٌ مع الحق، مع العدالة، مع الكرامة الإنسانية، وضد منطق الهيمنة والقتل والاستعباد.

إننا اليوم أمام لحظة تاريخية نادرة تعيد رسم خريطة الضمير العالمي، وتسائل كل إنسان على وجه هذه الأرض: أين تقف.. مع الضحية أم مع الجلاد.. مع فلسطين أم مع الاحتلال.. مع العدالة أم مع الإبادة؟

إنّ واجب الوقت هو تعزيز هذا التضامن وتحويله إلى فعل سياسي، اقتصادي، إعلامي، وثقافي مقاوم، وإلى أداة ضغطٍ فعّالة على الحكومات والمؤسسات الدولية لإجبار الاحتلال على وقف عدوانه، ولعزل الولايات المتحدة بوصفها شريكًا في الجريمة، لا راعيًا للسلام.

فليكن صوت الشعوب أعلى من ضجيج الطائرات، ولتكن غزة عنوانًا للحرية، ولتكن فلسطين بوصلتنا الأخلاقية التي لا تنحرف، فكما قال أحد أحرار العالم ذات يوم: “إذا لم أكن حرًّا من أجل فلسطين، فلست حرًّا على الإطلاق”.

زر الذهاب إلى الأعلى