مقالات الرأي

عرب بلا روح

بقلم/ فرج بوخروبة

هل رأيتَ جسدًا لا يحمل روحًا؟ لا يتنفس، لا يتحرك، لا يشعر، واقفٌ كتمثال في ميدان الخزي، يُساق حيث يُقاد، ويُهان حيث يُهان، ولا يُبدي اعتراضًا؟ هذا هو واقعنا العربي اليوم.

جسدٌ كبير، شعوبٌ عظيمة، لغةٌ نبيلة، وتاريخٌ مجيد، لكنه جسد بلا روح. نحن أمةٌ تُساق إلى المهالك، وتُنتهك أرضها، وتُدنس مقدساتها، وشعبها يُذبح في صمت، بينما تجلس هيئة تمثّلنا تُسمّى “جامعة عربية”، لا تُجيز إلا ما يُرضي الأسياد، ولا تُدين إلا من لا سلاح له.

انظر إلى فلسطين، أم المآسي، وقلب العروبة النابض، كيف تُبتلع أرضها شبرًا شبرًا، وتدنس القدس، وتُهدم البيوت، وتنسف المساجد، ويدخل المستوطنون إلى الأقصى بحماية جيش الاحتلال، ونحن؟ نُصدر بيانات الشجب، ونُعلن القوانين الورقية، ونعقد القمم التي تنتهي ببيان ختامي لا يُقرأ، ولا يُنفذ، ولا يُؤثر. أما الشارع العربي، فروحه مشتعلة، قلبه منفجر، صوته يعلو في الميادين، والمساجد، وعبر الشبكات، لكن هذه الروح لا تمثلها دولة، ولا تقودها نخبة، بل تُهمّش، وتُتهم بالغوغائية، بينما تُحتفى بالمتآمرين، والمُستسلمين، والمُستفيدين من الخراب.

الصهاينة، بجبروتهم، وسلاحهم، ودعمهم الغربي، يبنون إمبراطورية على أنقاضنا، ونحن نُنفق المليارات على القصور، والطيران الخاص، وشراء الذمم، بينما يُعاقب من يُقاوم، ويُحاكم من يُصرخ. لم يعد الخطر في الكيان الصهيوني وحده، بل في هذا الوهن الذي استوطن نفوس الحكام، في هذا التشرذم الذي حوّل الأمة إلى دويلات متصارعة، تبيع بعضها البعض في سوق النفوذ الدولي، وتُقدّم ولاءها للسفارات لا للشعوب.

لقد فقدنا البوصلة. لم نعد نعرف من نحن، ولا ماذا نريد. نتحدث بلغة الفخر بالماضي، ونعيش واقع الخنوع للحاضر. نُنجب الملايين، لكننا نُخرّج جيلًا يائسًا، مهمّشًا، لا يرى في مستقبله إلا الهجرة أو الموت. نملك النفط، والغاز، والثروات، لكننا نفتقر إلى الإرادة، إلى الرؤية، إلى القائد الذي يقول: كفى!

الشارع العربي لا يزال يحمل الشرارة. في كل انتفاضة، في كل مظاهرة، في كل تغريدة غاضبة، تُولد روح جديدة، روح الرفض، روح الكرامة، روح الحياة. لكن هذه الروح تحتاج إلى من يُترجمها إلى فعل، إلى وحدة، إلى مشروع نهضة حقيقي. لا يمكن لشعب أن يبقى مشتعلًا إلى الأبد دون أن يُحرق من يقف في طريقه، أو يبني ما يُريد.

الجامعة العربية لم تعد تُجدي. لم تكن يومًا أكثر من ديكور دبلوماسي متهالك. نحن بحاجة إلى جامعة جديدة، جامعة الشعوب، جامعة المقاومة، جامعة الكرامة. جامعة لا تُصدر بيانات، بل تُخطط، تُموّل، تُقاوم، تُحرر.

يا أمة الضاد، يا أمة النبي والقائد، يا أمة عمر وصلاح الدين، ماذا بقي منك غير الاسم؟ إن لم تستيقظي الآن، فمتى؟ وإن لم تقاومي الآن، فكيف؟ إن لم توحدّي صفوفك الآن، فماذا تتبقّى لك حين تُفقد آخر بقعة من أرضك؟

نحن لسنا بلا أرض، ولا بلا مقدسات، ولا بلا شعب. نحن بلا روح لأن من يُفترض أن يقودها سرقها، وباعها، ونام على فراش الخنوع.

استيقظوا. فالحرية لا تُوهب، بل تُنتزع من بين أنياب المستكبرين. والروح لا تعود بالدعاء وحده، بل بالفعل، والوحدة، والثورة على الذل.

زر الذهاب إلى الأعلى