مقالات الرأي

باب واحد للتفاؤل

بقلم/ ناجي إبراهيم

كلما حاولت أن أجد بابا واحدًا للتفاؤل تقابلني أبواب عديدة للتشاؤم وأنا أراقب ما يدور على الساحة العربية، كل ما حدث منذ غزو العراق عام 2003 وربما بداياته في حرب الخليج الثانية التي غزت فيها القوات العراقية ما يسمى دولة الكويت كما رسمته خريطة سايكس بيكو وحتى الخدعة والفخ الذي وقع فيه الغالبية من الشعوب العربية ما سمي بالربيع العربي شهدنا تدحرجا لكرة اللهب التي تتمدد لتأتي على كل شيء وتجرف أمامها جميع الحصون التي بنيناها منذ مئات السنين، لم تستهدف الأرض وحسب، بل جرفت العقول وخربت الموروث ونشبت مخالبها فيما تبقى من خيط يجمعنا، بل وكان في زمان مضى يوحدنا، وشكل -إلى وقت قريب- هوية نلتف حولها وتحولنا إلى بكريين وتغلبيين نقطع رؤوس بعضنا ونجزها جزا، ونضرب كل بنان.

هل سنخرج من التاريخ كما خرجنا من الجغرافيا، أم أن التاريخ سيخلد آخر محطاتنا ويكتب آخر صفحاتنا وتطوى صحفنا كما طويت صحف أمم سادت ثم بادت، ولم يبق شيء يشير عليهم سوى بعض قبور وحجارة، حتى هذه القبور يسعون بكل جهدهم إلى محوها ومسحها رغم علمهم أن الأموات لا يعودون.

ألا يدعو الذي يحدث إلى التشاؤم ودولنا تجرد نفسها من جميع أسباب القوة لتقدم رقابنا للذبح، بل هي من يذبحنا إرضاء لعدونا، إذا كنا غير قادرين على إيقاف الذبح والإبادة ونحن نمتلك بعضًا من قوة، كيف سنوقفه ونحن لا نمتلكها؟ وهل هذا الذي يطلب منا التخلي عن السلاح تخلى هو عن سلاحه؟

الصوت المدعوم بالمال الخليجي الذي يقودنا نحو مقبرتنا أعلى من صوت المقاومة الذي لا يكاد يُسمع، وهذا أيضا مبعث آخر للتشاؤم ويجعلنا نتحسس رؤوسنا ورقابنا.

ومنذ سقوطنا الأول ونحن نهرب من آخر موطئ قدم لنا في غرناطة والسقوط يتوالى ويتتابع، ولن يتوقف ما لم نجعل من ضعفنا قوة ومن خوفنا دافعا للبقاء ونطلب الموت لعلها تكتب لنا الحياة.

هل هروبنا من قرطبة طلبا للحياة أنجانا من القتل؟ لاحقونا في طرابلس ليضعفونا حتى تتلقفنا تركيا التي كانت المستجير لنا من رمضاء الإسبان لنجد أنفسنا في نيران خازوقها وحكمها المتخلف أربعمائة عام.

إذا كان الهروب منجاة لكنا الأمة الناجية الوحيدة من سيوف الطامعين والمحتلين، ولكن هذا ما أوقعنا في سلسلة لا تنتهي من الأطماع وتداعت علينا الأمم لكل غاياته وأسبابه واتفقوا على استعبادنا سلما أو حربا.

ألا يدعو حالنا هذا إلى التوقع المتشائم الذي يقول وفقا للمعطيات إننا ذاهبون قريبًا إلى صحف التاريخ وسنشطب من الجغرافيا التي ترسمها أياد غير أيادينا، ومن المبكيات المضحكات تنفذ بأيادينا المغلولة والمشلولة؟

سوريا سقطت في يد قوى مولتها ودعمتها المخابرات الأمريكية والغربية، وسبقتها العراق، وبات الطريق ممهدا لقوات الجيش الصهيوني إلى الفرات.

في لبنان نقاش وحوار وقرارات حكومة فرضتها الإدارة الأمريكية لنزع سلاح المقاومة.

في ليبيا يجري الإعداد لإنتاج حكومة بمواصفات الصخيرات وجنيف تكرس الانقسام السياسي والمؤسساتي تمهيدًا لرسم جغرافيا سياسية لما بعد سايكس بيكو.

السودان الذي يشهد حربا أهلية يتجه نحو التقسيم، وما يخطط لمصر من بوابة السودان وليبيا وإقليمها الشمالي سيكون هو معركة الغرب الفاصلة لإنتاج خارطة جديدة للشرق الأوسط تجب جميع الخرائط السابقة في سعي صهيوني غربي لتحقيق الحلم الصهيوني التوراتي لإقامة دولة اليهود من الفرات شرقا إلى ملتقى رشيد ودمياط غربا والمدينة المنورة جنوبا، للأسف هذا ليس سرا وليس مؤامرة تجري في الخفاء، بل هو ينجز الآن فوق الأرض ونراه بأم أعيننا وفي صمت يشبه صمت القبور.

فلسطين أخرجها المطبعون في أوسلو من قضية تجمع العرب إلى قضية تفرقهم، وتحولت إلى ملف إغاثة إنساني في الأمم المتحدة، لا تلتفتوا إلى التصريحات الإعلامية التي يطلقها بعض السياسيين في الغرب ولدواع انتخابية والتي تدعو إلى قيام دولتين غير معلومة الجغرافيا، ولن يوافق الاحتلال على وجود وبأي شكل للفلسطينيين، ولن يقبل بغير القضاء على أي وجود فلسطيني على الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر ولا شيء يوقفه أو يردعه في ظل الضعف والعجز والتشرذم العربي، والشرق الأوسط الجديد كما خطط له لا يضم أي كيان ومن أي نوع أو شكل اسمه فلسطين. 

إذا كان هذا هو الواقع وهذه هي الأوضاع ما الذي يدعونا للبحث عن باب للتفاؤل؟

أمة تسير نحو حتفها مجبرة وغير مختارة، ولن يتوقف ذلك غير بتمسكنا بأي فصيل مقاوم مهما كانت قوته وإمكانياته، ولن ندعو النظام العربي الذي يشارك في هذه الأوضاع للتكاتف بل ندعو الشعوب العربية لاستشعار الخطر على وجودها والعمل على تنظيم صفوفها وخلق الآليات لإيقافه وربما هزيمة المشروع الذي يجري تطبيقه.

زر الذهاب إلى الأعلى