الأضرار والجرائم الصحية انتهاك لحق الحياة

بقلم/ د. علي المبروك أبوقرين
لا تقتصر المخاطر والأضرار الصحية على الأمراض وحدها، بل تمتد لتشمل المنظومة الصحية بكاملها، وما يطالها من جرائم وتجاوزات وسلوكيات ضارة، مثل أنماط الحياة غير الصحية كالتغذية السيئة، وقلة النشاط البدني، والتدخين، وتعاطي المخدرات والكحول، والسهر، والانحرافات السلوكية، والعنف، والتوتر المزمن.
تتجلى هذه الأضرار أيضًا في الجرائم الناتجة عن الغش والاحتيال، كبيع الأغذية الفاسدة أو الملوثة، والأدوية المغشوشة، والمزورة، والمنتهية الصلاحية، والمهرّبة. كذلك تشمل الحوادث التي تحصد الآلاف سنويًا، والممارسات الطبية الخاطئة أو الوهمية، وما يقوم به بعض الأطباء المزيفين أو حملة الشهادات المزورة والمُشترَاة، وادعاء التخصص دون مؤهلات معتمدة أو تدريب سريري حقيقي.
لقد تحوّلت بعض التخصصات الطبية إلى سلعة تُباع عبر مكاتب ووكالات وشركات تفتقر لأبسط مقومات التعليم الطبي والتدريب السريري، ولا تملك مراكز محاكاة أو مستشفيات جامعية. وهذا يُعد خيانة مزدوجة للمهنة والمرضى، وهو من أخطر أشكال الفساد الصحي الذي يجب التصدي له بحزم، حفاظًا على أرواح الناس وصحة المجتمع.
ومن الأضرار الأخرى: الأخطاء الطبية في التشخيص، ووصف الأدوية، وتأخير العلاج، وتزوير التقارير الطبية، والاستغلال التجاري للمرضى عبر فرض فحوصات أو عمليات غير ضرورية، والإحالات الموجهة لتحقيق أرباح مادية. ولا نغفل أيضًا عن العدوى المكتسبة من المستشفيات، وسوء إدارة بيانات المرضى، وضياع أو تسريب المعلومات الطبية، وانتهاك الخصوصية، وغياب المتابعة، وأخطاء القرارات الطبية.
وتتفاقم الأضرار نتيجة التهميش والتمييز في تقديم الخدمات الصحية، سواءً بسبب المال أو النفوذ أو الواسطة، إضافة إلى نقص الأدوية والمستلزمات، وتكدس المرضى، وتأخر المواعيد، وقوائم الانتظار الطويلة، وضعف التواصل بين الكوادر الطبية والمرضى، والدعاية والإعلانات المضللة لمنتجات ضارة أو مراكز وهمية.
وبعد اعتماد نظام التأمين الصحي، ظهرت ممارسات استغلالية تُعد جرائم مكتملة الأركان، مثل الفواتير الوهمية أو المُبالغ فيها، وإجراء تدخلات غير ضرورية، والإحالات بين مزودي الخدمات المرتبطين بمصالح مالية، وتكرار غير مبرر للوصفات الطبية، والتحايل باستخدام بطاقات التأمين، والمبالغة في الشكاوى المرضية للحصول على أدوية أو تقارير مزورة، أو التواطؤ مع بعض الأطباء لإصدار تقارير مرضية كاذبة للحصول على إجازات أو تعويضات أو تقاعد.
كل هذه التجاوزات تُعد جرائم قانونية وفق قوانين مزاولة المهنة، ومكافحة الغش والتزييف، وانتحال الصفة، وحماية المستهلك، وهي مخالفة للمواثيق الدولية وأخلاقيات مهنة الطب، لما تسببه من آثار خطيرة، كالأمراض المستعصية، والمضاعفات، والإعاقات، والوفيات، وتفاقم الأزمات الصحية، وغياب العدالة الصحية، وتقويض ثقة المجتمع في النظام الصحي، وانحدار أخلاقي في المهنة، وخسائر جسيمة في الأرواح والاقتصاد، وهروب الكفاءات الحقيقية، وتآكل القيمة العلمية والأكاديمية للشهادات والتخصصات الطبية.
إن كل هذه الأضرار والجرائم تمس صحة الناس، وتهدد حياتهم وأمنهم الصحي، ولها أبعاد أخلاقية، ومهنية، وإنسانية، وقانونية.
لذا، من الضروري: سن تشريعات وقوانين عقابية رادعة.
إنشاء محاكم صحية وهيئات للتفتيش والمراجعة والتحقيق.
تعزيز الأخلاقيات الطبية عبر لجنة مختصة.
التطبيق الإجباري لنظم الجودة، ومكافحة العدوى، وسلامة المرضى.
التقييم المستمر، واعتماد وتطوير بروتوكولات التشخيص والعلاج والتأهيل.
رقمنة النظام الصحي واستخدام سجلات إلكترونية محمية.
تعزيز التوعية الصحية المجتمعية بهذه الجرائم والأضرار.
تشجيع المجتمع على الإبلاغ عنها.
إن هذه الممارسات الخاطئة والجرائم تعكس خللًا في السياسات، والنظم، والرقابة، والسلوك، وتهدد مصداقية النظام الصحي والتعليم الطبي، وتستدعي إصلاحًا جذريًا، وحوكمة رشيدة، ومحاسبة قانونية، وشفافية في تقديم الخدمات الصحية.
كما تبرز الحاجة لإعادة هيكلة نظام اعتماد مراكز ومستشفيات التعليم الطبي والتدريب السريري وفق معايير دولية، ومنع الوسطاء، والسماسرة، والتعليم الموازي، وكل من لا يمتلك المقومات الأساسية، وعلى رأسها امتلاك مستشفيات تعليمية، ومراكز محاكاة، وتعليم تفاعلي وآلي، واعتماد دولي.
إن بيع الشهادات الطبية هو متاجرة بأرواح الأبرياء في أسواق البزنس، والطب بلا تدريب خيانة، والشهادة بلا علم جريمة.
فليس من العدالة أن نساوي بين من تعلّم لينقذ، ومن اشترى ليؤدي. مهنة الطب لا تُشترى، إنها تُصاغ بالعلم، وتُختم بالشرف. وإذا فسد التعليم الطبي، أصبح الجهل هو المرجع، والمريض هو الثمن.