تكتيكات الثورة في الاستراتيجية الاستعمارية

بقلم/ عبدالسلام محمد إسماعيل
قبل أكثر من مائة سنة، وفي مواجهة سياسات حزب الاتحاد والترقي التركي العلمانية، القاضية بالتخلي عن مبادئ وأفكار نظام الخلافة الإسلامية، واحتقار الشعوب الأخرى بما فيهم العرب، وإعلاء قيمة الجنس التركي، أعلن الشريف حسين أمير مكة الثورة العربية الكبرى سنة 1916، الهادفة إلى استقلال شبه الجزيرة العربية والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان والأردن عن الإمبراطورية العثمانية الآخذة في الأفول، بسبب مشاركتها في الحرب العالمية الأولى ضمن تحالف دول المركز المتكون من ألمانيا، النمسا، المجر، بلغاريا، في مواجهة قوى الوفاق المتكونة من بريطانيا، فرنسا، روسيا، اليابان، ثم التحقت بهم أمريكا وإيطاليا.
سبق إعلان الشريف حسين للثورة العربية الكبرى أن تبادل مراسلات مع المندوب البريطاني السامي في مصر، مراسلات صارت تعرف في كتب التاريخ بمراسلات (الشريف – مكماهون) تحديدًا في سنتي (1915 – 1916)، شجع فيها مكماهون على إشعال الثورة ضد الأتراك، ووعد الشريف حسين بتنصيبه ملكًا على الدولة العربية المتكونة من بلاد الحجاز والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وأن تكون مكة المكرمة عاصمتها. ولإضفاء مزيد من الخداع أطلق مكماهون لقب (ملك العرب) في كل مراسلاته المنوه عنها.
كما أعلن عن تأسيس الجيش العربي الذي نسق علاقته مع القيادة العسكرية الإنجليزية، وقاده فعليًا على الأرض الضابط الإنجليزي الجنسية اليهودي الديانة (توماس إدوارد لورنس) المعروف بلقب (لورنس العرب).
خاض الجيش العربي معارك طاحنة ضد الجيش التركي في المنطقة، متسلحًا بحلم التحرر والاستقلال، ومدفوعًا بروح الثورة العربية الكبرى أملًا في تأسيس دولته العربية في شرق الوطن العربي.
مع انتهاء الحرب العالمية الأولى وانتصار بريطانيا والدول المتحالفة معها، انكشفت الخديعة الكبرى وانهارت أحلام الثورة العربية الكبرى وتبخرت الوعود البريطانية عندما اشترط مكماهون على الشريف حسين القبول بنظام الانتداب الفرنسي البريطاني على دول المنطقة، والقبول بالتخلي عن لواء الإسكندرونة. وما فاقم من صدمة الخديعة الاستعمارية للعرب، إعلان وعد “بلفور” المشؤوم 1917، القاضي بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.
ما لم يفهمه العرب في ذلك الزمن، أن أحلام الثورة العربية الكبرى لا تعدو كونها مجرد تكتيكات في استراتيجية الدول الكبرى إبان الحرب العالمية الأولى.
بعد مرور أكثر من مائة عام تتكرر الخديعة من جديد، حيث نشهد عودة نسخة جديدة من (جون فليبي) أو الشيخ عبدالله كما يحلو لعرب الخديعة الكبرى أن يسموه، ونشهد أيضًا عودة نسخة أخرى من السيدة (غيرترود بيل) التي أطلق عليها بعض من أهل العراق اسم (أم المؤمنين)، عبر عودة (برنارد هنري ليفي) الفرنسي الجنسية اليهودي الديانة، المدافع عن سلمان رشدي صاحب كتاب (آيات شيطانية) والعياذ بالله، باعتبار ليفي هو المنظر وفي بعض الأحيان القائد الميداني للثوار، وهو أيضًا المنسق على الأرض بين الثوار وقوى الاستعمار الهادفة لتدمير البلاد العربية دويلة دويلة.
كل السيناريو القديم استُدعي من صفحات التاريخ ليفجر ما أطلق عليه زيفًا ثورات الربيع العربي، حيث أُطلق على طائرات حلف الناتو اسم (طيور الأبابيل) وهي تقتل الجنود وأحيانًا الأبرياء من أبناء ليبيا العرب المسلمين، كما أُطلق على الحلف المعادي اسم (حلف الفضول)، وأُطلق على عملاء الاستعمار القادمين فوق الدبابات الغربية اسم (المقاتلين من أجل الحرية).
منذ ما يزيد على مئة سنة تستمر الخديعة الكبرى، حيث يظل العرب مجرد أدوات ضمن استراتيجية الاستعمار للهيمنة والنفوذ.