مقالات الرأي

الرئيس الأمريكي والمشهد الليبي: مصالح تتجاوز السياسة

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري 

منذ سنوات، والرئيس الأمريكي – سواء خلال ولايته الأولى أم في تصريحاته المختلفة حتى وهو خارج البيت الأبيض – يظهر اهتمامًا غير مباشر بالحالة الليبية. فقد عبّر في مناسبات متعددة عن رؤيته تجاه ليبيا، بل وصل الأمر في إحدى المرات إلى التواصل المباشر مع القائد العام للقوات المسلحة، وهو ما تناولته الصحافة الأمريكية حينها بتفصيل. 

في المقابل، كانت إدارة الرئيس السابق جو بايدن أكثر انخراطًا في الشأن الليبي، حيث عيّنت مبعوثًا خاصًا إلى ليبيا، لم تنقطع زياراته واتصالاته بالفاعلين في المشهد الليبي. وما يلفت الانتباه أن تدخل الإدارة الأمريكية لم يكن فقط من خلال القنوات الدبلوماسية، بل تم أيضًا عبر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، من خلال شخصيات تم تعيينها بدعم مباشر من واشنطن. ومن بين هؤلاء المسؤولين الأمريكيين الذين لعبوا أدوارًا مباشرة في الملف الليبي: ريتشارد نورلاند (السفير والمبعوث الخاص سابقًا)، جيفري ديلورينتس (ممثل واشنطن في مجلس الأمن)، ستيفاني ويليامز (التي أدارت مرحلة حوار جنيف وكانت مدعومة أمريكيًا بشكل مباشر)، إلى جانب ذلك، شهدت واشنطن زيارات متكررة لمسؤولين في السلطة التنفيذية الليبية بعد 2011، وكذلك من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، أجروا لقاءات مع موظفين من مستويات مختلفة في الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وصلت إلى حد تلقيهم تعليمات مباشرة تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي المعتاد.

وفي الأشهر القليلة الماضية، سجلت العاصمة الأمريكية زيارات متعددة لقيادات ليبية سياسية وشخصيات عسكرية وأمنية شاركوا في برامج تدريب عسكري ومبادرات “تعاون أمني” خارج الإطار السياسي التقليدي، ما يثير تساؤلات حول طبيعة هذا الانخراط الأمريكي المتجدد. 

أما بخصوص الرئيس الأمريكي العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب فإن اهتمامه بليبيا يُقرأ من خلال تصريحات مستشاره السياسي والاقتصادي، الذي تحدث في عدة مناسبات عن ضرورة إعادة تقييم السياسة الخارجية الأمريكية في شمال إفريقيا، والتركيز على “الفرص الاقتصادية” و”أمن الطاقة”. 

وقد أشار المستشار إلى ليبيا بشكل غير مباشر باعتبارها من “الدول المؤثرة في سوق الطاقة العالمي، رغم حالة عدم الاستقرار”. فالرئيس الجديد – المعروف بعقليته التجارية – لا يفصل السياسة عن الاقتصاد. فنهجه الرأسمالي الذي أسس به إمبراطورية مالية، رغم الشبهات التي لاحقته بشأن التهرب الضريبي، ينعكس بوضوح في مواقفه السياسية. فقد بدأ ولايته بسلسلة قرارات تتعلق بالتعريفات الجمركية، شملت الصين والاتحاد الأوروبي، ولم يغفل حتى الدول ذات العلاقات التجارية المحدودة مع واشنطن، ومنها ليبيا. رسائل ضريبية جديدة تم إرسالها الى ليبيا، تفيد بزيادة مرتقبة بنسبة 30٪ على بعض الواردات، ابتداءً من 1 أغسطس، في إطار ما تُسميه الإدارة بـ “التعريفات التبادلية”. وقد تمس هذه الإجراءات صادرات النفط والغاز الليبية إلى السوق الأمريكية، مما يزيد الضغوط على اقتصاد هشّ أصلًا، يعاني من إدارة منقسمة وفوضى مؤسسية، وسط تفشي الفساد، وتفريط واضح في مقدرات الشعب الليبي. فالمواطن الليبي اليوم، في ظل هذا المشهد المعقّد، لا يخسر فقط حقه في حياة كريمة، بل يخسر أيضًا نصيبه من الثروات التي يُعاد توزيعها في الخفاء، بين أيدي قوى داخلية وخارجية، تتلاعب بمصير وطن بالكامل.

زر الذهاب إلى الأعلى