مقالات الرأي

شرعية بحبر الدبلوماسية… واغتيال بصمت لهيبة القضاء الليبي

بقلم/ فرج الشقار

تفاجأت الأوساط الوطنية برسالة تهنئة صادرة عن الأمين العام لجامعة الدول العربية للدكتور محمد تكالة بمناسبة توليه رئاسة المجلس الأعلى للدولة. هذه الرسالة، رغم ما قد تبدو عليه من طابع بروتوكولي، تحمل في طياتها دلالات خطيرة لا يمكن التغاضي عنها، خاصة في ظل التوترات الراهنة بين الأجسام السياسية، والصراع على النفوذ، وفقدان المؤسسات القائمة لأي شرعية انتخابية حقيقية.

ما يدعو إلى الدهشة، بل إلى القلق، أن تصدر هذه التهنئة في وقت ما زالت فيه شرعية انتخاب تكالة محل طعن قانوني، خاصة أن القضاء الليبي قال كلمته بإنصاف رئيس المجلس الأعلى للدولة السابق خالد المشري في الطعن المقدم حول سلامة الإجراءات، ما يجعل خطوة الجامعة العربية، ومعها مواقف البعثة الأممية، تجاوزًا خطيرًا لمؤسسة القضاء الوطني، وضربًا لحيادها وهيبتها، فمهما اختلفت الأطراف السياسية فيما بينها، تبقى المؤسسة القضائية هي الفيصل الوحيد والمرجعية العليا لحسم النزاعات، ولا يجوز لأي جهة خارجية أن تقفز فوق أحكامها أو تتجاهلها.

في المقابل، لا يمكن فصل هذه التهنئة عن المسار العام الذي انتهجته الجامعة العربية منذ بداية الأزمة الليبية في 2011، حين أسهمت بشكل مباشر في تمرير قرار التدخل العسكري عبر مجلس الأمن، ما أدّى إلى إسقاط الدولة وتفكيك مؤسساتها وفتح البلاد أمام الصراعات الإقليمية والدولية. منذ ذلك الحين، لم تقدم الجامعة أي مساهمة حقيقية في رأب الصدع الليبي، بل اكتفت بدور شكلي يغلب عليه الانحياز للمواقف الرسمية الداعمة للتدخلات الخارجية.

يزاد المشهد السياسي الليبي تعقيدًا مع استمرار وجود أجسام سياسية منتهية الولاية، تتنازع الشرعية وتُعيد إنتاج نفسها عبر صفقات وتحالفات هشة، في وقت تزداد فيه معاناة المواطن الليبي وتُختطف فيه الإرادة الشعبية. وكان الاتفاق الذي أُبرم مؤخرًا بين المستشار عقيلة صالح وخالد المشري بشأن تشكيل حكومة موحدة جديدة، هو الأقرب حتى الآن إلى معالجة الانقسام السياسي وتوحيد المؤسسات الليبية، رغم ما يحيط به من تحفظات. لكنه يظل، من وجهة نظر الكثيرين، خيارًا واقعيًا لتجاوز حالة الجمود، بشرط أن يكون خطوة نحو انتخابات شاملة، لا مجرد إعادة تدوير للسلطة.

تأتي تهنئة الجامعة العربية في ظل تسريبات عن رشاوى وشراء أصوات داخل المجلس الأعلى للدولة، ما يجعلنا نتساءل: هل باتت الجامعة العربية أداة لشرعنة الفساد السياسي؟ وهل أصبحت مؤسسة تُدار من عواصم النفوذ الغربي أكثر من كونها تمثل الإرادة العربية الجامعة؟

الواقع أن دور الجامعة والبعثة الأممية معًا بات محل ريبة شعبية متزايدة. فبينما تغض الطرف عن التدخلات الأجنبية، وتغيب عن دعم المؤسسات الوطنية الحقيقية، نجدها تسارع إلى مباركة مسارات مشبوهة أو إقصائية، متجاهلة السياق القانوني الداخلي وأحكام القضاء، ومتناسية أن الاعتراف السياسي لا يُمنح إلا لمن يحظى بشرعية قانونية وشعبية معًا.

في ظل كل هذه التحديات، لا بد من التأكيد على أن الشعب الليبي هو وحده من يملك حق تحديد مصيره، بعيدًا عن إملاءات الخارج وتواطؤ الداخل. كما يجب دعم المؤسسة القضائية الليبية، باعتبارها الضامن الأخير لما تبقى من سيادة قانون، وعدم السماح بتجاوزها أو استخدام المؤسسات الإقليمية والدولية لتسويق شرعية زائفة أو مشهد سياسي مزيف.

إن التهنئة التي أصدرتها الجامعة العربية، بدلًا من أن تكون عامل استقرار، أصبحت شاهدة زور تُستخدم لتغطية مشهد من الفوضى والانقسام، ولا يمكن القبول بها في ظل مسار سياسي بات في معظمه بلا قاعدة قانونية ولا تفويض شعبي. إننا نرفض هذا النوع من التعامل المهين مع مؤسساتنا، وندعو إلى خارطة طريق وطنية ليبية خالصة، تُعيد الكلمة للشعب، وتُنهي مرحلة الأجسام المتآكلة والمناورات المكشوفة.

زر الذهاب إلى الأعلى