مقالات الرأي

الوحدة الوطنية شعارٌ يلمع فوق خارطةٍ ناقصة

بقلم/ محمود امجبر

في بلاد اعتادت أن تزين كل خيبةٍ بشعار، يرفع “الوحدة الوطنية” في الخطابات كرايةٍ مقدسة، تُكتب بحروف كبيرة وتُعلق على جدران النسيان، دون أن تهبط إلى الأرض حيث تُقاس الوطنية بعدد الأسماء المنسية في قوائم المستحقين.

فزان، تلك الرقعة الغنية بالتاريخ والمتعطشة للاعتراف، تتأمل الشعارات كل يوم، تحاول أن تستخرج من كلماتها معنى يُشبه العدل.. لكن لا تجد سوى اللغة، ولا شيء سواها.

ملعب الوطن لا يسع الجنوب

عندما يقولون إن الرياضة تجمع الشعوب، تأمل فزان في ملاعب المنتخب. تراقب بشغف، كأنها تنتظر نداءً من مدرّبٍ لا يتذكر أسماء لاعبيها. كم لاعب من فزان وقف على أرضية الملعب ليمثل ليبيا؟ لا أحد يجيب، فالإجابة تعرف طريقها إلى المدن الكبرى فقط. وكأن الجنوب ولد ليصفّق، لا ليُصفق له.

فزان في قوائم الإيفاد: بصمةٌ لا تُطبع

في وزارة التعليم العالي، تُكتب قرارات الإيفاد بسلاسة، لكن الحبر يجفّ حين يصل إلى الجنوب. فزان، التي أهدت الوطن أدمغةً ناضجة وقلوبًا تهوى العلم، لا ترى اسمها إلا في خانة المتفرج. الأحلام هنا تنام على دفاتر بلا ختم، وتستيقظ على واقع لا يمنحها جواز سفر نحو المعرفة.

مصرف مركزي.. بقائمة جزئية

في المصرف المركزي، تُوزّع الاعتمادات كأنها ولائم وطنية. لكن فزان دائمًا تجلس على طرف الطاولة، تتلقى النية الطيبة، والشكر القلِق، ورقمًا صغيرًا لا يناسب حجم وجعها. حتى الوقود يُمنح بالقطارة، لا ليُشعل المصابيح، بل ليُبقي الشك مشتعلًا.

خارطة التنمية: الجنوب مؤجّل

وحين تُعرض خارطة التنمية، لا ترى فزان إلا كشبح على الهامش. الطرق المؤجلة، المدارس المهجورة، المستشفيات التي تُعالج بالأمل بدل الأجهزة. كل شيء هنا مؤجّل.. إلى إشعارٍ لا يصدر.

الوظائف والإفراجات: جنوب بلا حصص

كم اسم من فزان ظهر في كشوف الإفراجات؟ كم تعيين أنصف شابًا من الجنوب؟ قليل.. قليل حتى لتكوين جملة. فزان لا تشارك في القرارات، بل تُستدعى عند الحديث عن “التنوع الجغرافي” فقط، ثم تُعاد إلى الصمت الذي حفظته عن ظهر قلب.

كهرباءٌ خيالية، ماءٌ لخيباتنا

إذا صدّقنا الشعارات، لفزان حصصٌ وافرة من الكهرباء، والماء، والوقود. لكنها لم تلمسهم قط. الكهرباء هنا تُستخدم لتخطيط الأحلام، الماء يغسل الخيبات، والوقود يكفي لإشعال بركان القهر.

الحب الذي لا يُشبهنا

“جنوبنا الحبيب” عبارة تُقال كثيرًا، تُكتب في المناسبات وتُردد في خطاباتٍ رسمية، لكن فزان تعرف أن الحب لا يُقاس بالكلمات. الحب فعلٌ، وعدالة، ووجود. فزان لا تطلب صدقة، ولا تنتظر امتنانًا. تطلب فقط أن تُرى كما هي: جزءًا من وطن، لا هامشًا له.

الوحدة الوطنية ليست شعارًا نرفعه عندما يحين موعد الاحتفالات.. بل موقفا نثبت فيه أن كل زاويةٍ في ليبيا تنتمي إلى الضوء، لا إلى ظلّ الشعار.

زر الذهاب إلى الأعلى