ماذا سيعطينا بولس؟

بقلم/ ناجي إبراهيم
رغم أن هذا المقال سينشر بعد انتهاء زيارة المستشار الأمريكي مسعد بولس إلى شرق البلاد وغربها، ويكون قد نال كل ما طلبه دون عناء، فإن التحليل يقول إن بولس جاء ليجني ثمارًا زرعتها أمريكا بقيادتها للناتو في حربها على ليبيا عام 2011، والواقع ممهد تمامًا وجاهز ليأخذ كل شيء دون أن يعطي بعضًا من شيء، إلا ربما وعودًا لبعض الأطراف بأنها ستحصل على دعم لبقائها في السلطة أو غض الطرف عن فسادها وحماية أموالها المنهوبة، وإسكات القضاء الدولي ومنعه – مؤقتًا على الأقل – من فتح بعض الملفات المتعلقة بالفساد والإرهاب وانتهاكات قالت عنها منظمات حقوقية إنها جسيمة لحقوق الإنسان قام بارتكابها أطراف في نظام فبراير الحاليين والسابقين.
بولس لن يسمع كلامًا كالذي سمعه في تونس لأن ذلك شأن فلسطيني، وقول قيس سعيد يُعتبر عند ساسة ما بعد فبراير لغة خشبية لا تناسب التحولات الجديدة لما بعد الشرق الأوسط الجديد، الذي يتطلب تقبيل الأيادي التي لا نقدر (عضّها). سنرى تقبيلًا للأيادي وركوعًا وربما حتى سجودًا وسمعًا وطاعة، وليس هذا جديدًا أو مستغربًا؛ فقد شهدناه في الرياض والدوحة وأبو ظبي، مع استقبال حافل من ناشطات المجتمع المدني، ولا أعلم إن كان في جدول الاستقبال افتتاح لبعض المساجد.
بولس لن يسمع، جاء ليُسمِع، الذين سيلتقي بهم لن يقولوا له شيئًا وسيسمعون منه كل شيء.
لن تُعرض عليه صور ضحايا الناتو في ماجر وسوق الجمعة وطرابلس وبني وليد وسرت، ولن تُعرض عليه صورة الطفلة بلقيس التي قُتلت بالغاز في عدوان القرار رقم 7 على بني وليد. لن يسمع عن الذين يقبعون في السجون دون محاكمة والمغيبين، وهو لن يسأل عنهم ولن يُبدي امتعاضه من أعمال العنف التي تعرض لها شباب الانتفاضة في طرابلس والتصفيات التي طالت بعضهم، وكان آخرها مقتل الشهيد عبد المنعم المريمي.
سيتسابقون على التقاط الصور لاستخدامها في قمع المعارضة الشعبية، وسيعدون الزائر الأمريكي بالتزام غير مشروط لرعاية وحماية المصالح الأمريكية دون تكليف الخزانة الأمريكية أي أعباء، بل سيعلنون استعدادهم للتنازل عن الأموال الليبية المجمدة في البنوك الغربية مقابل حماية أمريكية لسلطاتهم وفسادهم وغض الطرف عن انتهاكاتهم لحقوق الإنسان.
بولس سيعطينا مواعظ عن توحيد المؤسسات، وكلامًا عن الديمقراطية وأهمية الذهاب إلى الانتخابات، وضرورات التوافق على قاعدة دستورية كأساس تقوم عليه عملية سياسية تنال دعم المجتمع الدولي. سيعطينا (حكي) وسيأخذ وعودًا بتحقيق المصلحة الأمريكية.
لم تسعَ يومًا أمريكا عبر تاريخها القصير الذي عرفناه بعد الحرب العالمية الثانية وتراجع دور أوروبا إلى مصلحة غير المصلحة الأمريكية، التي تأخذ ولا تعطي وبكل السبل الممكنة سلمًا وحربًا عبر سياستها الخشنة والناعمة، ولا ترى العالم إلا غنيمة يجب الاستيلاء عليها وسلب مقدرات شعوبه. ويقول البعض: هذا حقها، وكذلك من حق الشعوب أن تتصدى لهذه السياسات لإفشالها وهزيمتها. وهذا ما لم يسمعه مبعوث ترامب في زيارته، ولن يُسمح له بسماع صوت الشارع الليبي، وحتى إذا سمعه فلن يعيره اهتمامًا ما لم يصبح يشكل خطرًا وتهديدًا للمصالح الأمريكية. وعلى الرغم من ذلك كان يجب أن تخرج الجماهير إلى الشارع رفضًا للزيارة وتنديدًا بالسياسات الأمريكية. عدم خروج الشعب يعطي رسائل ومضامين مغلوطة للممسكين بالسلطة في الداخل وداعميهم من الخارج، ستجعلهم يمضون في سياساتهم.
أربع عشرة سنة من التدخل الأمريكي في الشأن الليبي كانت كافية لفهم المشروع الغربي الإمبريالي وغايته وأهدافه، رغم معسول الكلام في بعض الأحيان، الذي يفعل مفعول السحر لبعض العقول الغضة وبعض الأشخاص الذين تدفعهم مصالحهم الخاصة والشخصية إلى تصديق وعود لم تتحقق لشعوب أخرى وقعت في فخ الهيمنة والتبعية للغرب الاستعماري.
ماذا جنت هذه الشعوب غير الضعف والفشل وتراكم المشكلات والفوضى الأمنية الممنهجة، وانتشار الجريمة، وتعميم الفساد بمباركة من الخارج؟
نحن في بلادنا أُدخلنا في نفس الحظيرة التي وُضع فيها الذين سبقونا ولم يخرجوا منها، وجميع محاولاتهم للخروج باءت بالفشل بفعل الوصفات الخارجية التي لن تقود إلا إلى مزيد من التردي والفشل.
كان من المفروض أن تقابل هذه الزيارة بمظاهرات مليونية تملأ الشوارع والميادين وتغلق الطرق رفضًا لها وتنديدًا بالتدخل الأمريكي في الشأن الليبي، والمطالبة برفع الهيمنة الأمريكية وتجريمها، والدعوة لإنهاء جميع أشكال التدخل وإعادة القرار للشعب الليبي. وإذا لم يحدث ذلك سنشهد سفورًا لم نعهده من قبل في علاقاتنا مع الخارج، وستُفتح أبواب كانت مغلقة قد تضرب النسيج والقيم وحتى العقيدة ولن نستطيع سدها.
إذن، بولس جاء ليأخذ ولم يأتِ ليعطي، وهذه سيرة وسياسة وسلوك أمريكا وجِبِلّة المستعمرين.