مقالات الرأي

فن التعبير وأدب الاختلاف 

بقلم/ المهدي الفهري

وسائل وأساليب التعبير المختلفة متعددة الأبعاد والامتداد الحضاري وموغلة في القِدم وتشمل مجموعة من السبل التي يستخدمها الأفراد للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم واهتماماتهم بهدف التواصل مع الآخرين وربط صلات اجتماعية معهم، فهناك من يعبر بالكلمة والتعبير الشفهي، وهناك من يجيد الكتابة ويبدع في نظم الحروف والكلمات، وهناك من يتقن لغة الجسد والتعبير الجسدي، إضافة إلى أساليب أخرى كالرسم والنحت والفن واللون والإشارة وغيرهم، وكلها أساليب وطرق للتعبير عن الرغبة في تحقيق شيء ما أو العزوف عن شيء آخر.

فالاختلاف فن وبراعة وليس فتنة، والاختلاف في الرأي مثلا يشبه الاختلاف في الأذواق والثقافات والتجارب، وهو ناتج طبيعي عن تباين المفاهيم وتفاوت مستويات الفهم والتفكير بين الناس وحتى العقلاء يختلفون ويتجادلون، لكن ضمن حدود العقل والمنطق ويحترم كل منهم الآخر رغم التباين الواضح بينهم في بعض المواقف، وإذا كان الأمر الطبيعي هو أن يتحول الحوار إلى أداة للاتفاق ودعوة للسلام كقيمة وكغاية إنسانية نبيلة بين البشر فإن الأمر غير الطبيعي هو أن يتحول الاختلاف إلى خلاف ومدعاة للكره والقطيعة وإلى الازدراء والاحتقار، بل وقد يصل لدى البعض إلى الانتقام والعمل المضاد، وهذه هي أقسى درجات الجهل والحماقة، فالحياة واحدة وثابتة في جوهرها، ولكن أساليبها مختلفة والتغيير يكمن في الأسلوب والشكل وطريقة تعاملنا مع الظروف والعوامل المحيطة وكيف نحيا في عالم مزدحم دون أن نضيع في متاهات لا نهاية لها لا سيما في هذا العصر عصر السرعة والتواصل، حيث أصبح جيل اليوم يحيا في عالم بلا حدود وبلا حياء ويسبح بجموح في فضاء واسع من المعلومات ويُسخر التقنية الحديثة في حرق المراحل وطي واختصار الزمن والمسافات دون وعي أو دراية أو ضوابط ما يستوجب الدعوة إلى التفكير والتأني وحسن التدبير ومواجهة الاختلاف بالنقاش وبالفن والشعر والثقافة وصوت العقل والابتعاد عن الجدل العقيم أو المراء الفارغ الذي لا طائل منه والسعي لتجاوزه في وقت يحتاج فيه الجميع إلى شحن العزائم والهمم والتوجه نحو تحقيق الأهداف التي تم رسمها في الحياة وكيفية الوصول إليها بثقة وثبات ومحاولة الاستفادة من الأخطاء.

والبحث عن آليات ومهارات وقدرة على تقديم محتوى بحجم المعاناة يضمن قيام مجتمع خالٍ من الحقد والعقد والضياع وتأنيب الضمير ويتيح حرية التعبير وحرية الاختيار وقبول الاختلاف والتمسك بالأخلاق والآداب التي يجب التحلي بها للتعاطي مع الخلافات في الرأي وتحويلها من مصدر فرقة وتشتت إلى فرصة للتقارب والالتقاء والتعلم والتطور والتخلص من كل ما يثقل النفس ويهدد سعادتها من أمراض نفسية واجتماعية التي نعاني منها ويعاني منها الوطن بكل أسف.

زر الذهاب إلى الأعلى