الضم المقنن: “الكنيست الإسرائيلي” يعلن الحرب على حل الدولتين

بقلم/ محمد علوش
صوّت “الكنيست الإسرائيلي”، بعد ظهر الأربعاء، بأغلبية 71 عضوًا لصالح مشروع قرار يدعو إلى فرض ما يسمّى “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية وغور الأردن.
إنه قرار لا يمكن النظر إليه بوصفه مجرد إجراء رمزي داخلي، بل هو خطوة سياسية وتشريعية تنذر بتحوّل جذري في مسار الصراع، وتؤشر إلى مرحلة جديدة من الاستعمار المكشوف، حيث لم تعد “إسرائيل” تكتفي بالضم الزاحف والمستتر، بل تذهب الآن نحو شرعنته بقانون، مستندة إلى غطاء أيديولوجي وعنصري تسعى من خلاله إلى إلغاء الوجود الفلسطيني برمّته على أرضه.
هذا القرار يشكل تصعيدًا بالغ الخطورة، ليس فقط في جوهره القانوني والسياسي، بل في توقيته أيضًا، حيث يأتي في سياق حكومة يمينية متطرفة تتبنى بشكل علني مشروع “أرض إسرائيل الكاملة”، وتعمل بكل ما أوتيت من أدوات للانقضاض على ما تبقى من إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ضمن حدود الرابع من حزيران 1967، وهو ما يعني أن هذه الحكومة، وبدعم الأغلبية في الكنيست، تضع اليوم آخر مسمار في نعش ما يُسمى بـ”عملية السلام”، وتعلن دون مواربة نهاية “حل الدولتين”، لصالح نظام فصل عنصري استيطاني توسعي، يقوم على نهب الأرض وتهويد الجغرافيا ومحاولة محو الهوية.
إن ما يجري لم يعد مجرد خطوات ميدانية عسكرية أو توسعية، بل هو ترجمة واضحة لسياسات الضم الفعلي التي تم تنفيذها على مدى سنوات، من خلال شق الطرق الالتفافية، وتوسيع المستوطنات، ومصادرة الأراضي، وتقطيع أوصال الضفة الغربية بالبوابات الحديدية والحواجز والجدران، وفرض وقائع استعمارية لا تتيح للفلسطيني سوى العيش داخل كانتونات محاصرة، منزوعة السيادة، ومحرومة من التواصل الجغرافي أو الحياة الطبيعية.
في هذا السياق، تصبح القوانين التي يسنّها الكنيست بمثابة أدوات تشريع للاحتلال وتكريس للفصل العنصري، وتجاوز فاضح لأبسط قواعد القانون الدولي، فالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، هي أراضٍ محتلة منذ عام 1967، وتخضع لأحكام اتفاقيات جنيف الرابعة، التي تمنع الدولة القائمة بالاحتلال من ضم الأراضي المحتلة أو تغيير وضعها القانوني أو نقل سكانها إليها، وعلى هذا الأساس، فإن أي قانون تصدره “إسرائيل” لفرض “سيادتها” على هذه الأراضي، هو باطل ولاغٍ قانونيًا، ولا يغيّر من واقع الاحتلال شيئًا، بل يؤكد تورطها في انتهاك ممنهج للقانون الدولي، يجب أن يُقابل بعقوبات لا بمجرد الإدانات.
غير أن الصمت الدولي، أو ما هو أسوأ، التواطؤ الضمني لبعض الأطراف الدولية المؤثرة، هو ما يشجع “إسرائيل” على التمادي في مشروعها الاستيطاني، فالدعم الأمريكي المتواصل، والتحوّل الأوروبي الخجول، والانقسام العربي والفلسطيني، كلها عناصر وفّرت للمؤسسة الحاكمة في تل أبيب هامشًا واسعًا من الحركة، وسمحت لها بفرض رؤيتها التوسعية على الأرض، دون أن تُحاسب أو تُردع.
وفي مواجهة هذا التحوّل، فإن الاكتفاء ببيانات الشجب لم يعد مجديًا ولا مقبولًا، المطلوب تحرك دولي فاعل يرتقي إلى مستوى الجريمة السياسية الجارية، عبر فرض عقوبات سياسية واقتصادية على الاحتلال، ومقاطعة مؤسساته العنصرية، وفي مقدمتها الكنيست الذي تحوّل إلى أداة تشريع للفاشية، والعمل الجاد لعقد مؤتمر دولي حقيقي للسلام، تحت رعاية الأمم المتحدة، وبمرجعية قرارات الشرعية الدولية، بعيدًا عن الانحياز الأمريكي السافر.
كما أن اللحظة التاريخية الراهنة تضع على عاتق الفلسطينيين مسؤولية مضاعفة، فالوحدة الوطنية لم تعد خيارًا، بل شرطًا وجوديًا للرد على ما يجري، والتمسك بخيارات المقاومة الشعبية والدبلوماسية يجب أن يترافق مع إعادة النظر في مجمل العلاقات مع الاحتلال، والتوجّه الفوري لاستعادة المبادرة عبر تصعيد الحراك الشعبي، وتفعيل الأدوات القانونية في المحافل الدولية، ومواصلة السعي الحثيث لانتزاع اعتراف أوسع بدولة فلسطين، لا سيما من الدول الأوروبية التي لا تزال مترددة.
إن ما جرى في الكنيست الإسرائيلي ليس إجراءً معزولًا، بل حلقة متقدمة من مشروع استيطاني إحلالي، ينكر الحقوق الوطنية العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني، ويقوّض أي أفق لحل عادل، وهو إعلان صريح بأن “إسرائيل” لا تريد سلامًا، ولا تؤمن بالشراكة، بل تسعى إلى فرض هيمنتها الكاملة على الأرض والشعب، بمنطق القوة والعنصرية.
لهذا، فإن الرد لا يكون بالبيانات، بل بإرادة سياسية فعلية فلسطينية وعربية ودولية، تضع الاحتلال أمام مسؤوليته القانونية، وتُثبت أن هناك ثمنًا حقيقيًا للتمرد على القانون الدولي، وأن الشعب الفلسطيني، رغم ما يواجهه من إبادة جماعية وتطهير عرقي وتجويع وحصار ودمار واحتلال، لن يتخلى عن حقه الثابت، ولن يسمح بطمس هويته الوطنية، وأن راية النضال والحرية ستبقى مرفوعة مهما طال الليل. من يُعوض من؟ سؤال لا يمكن تجاهله ولا القفز عليه بالتباكي الإعلامي ولا بتصريحات سياسية عابرة ليبيا بشهدائها ومقاوميها ومعتقليها ومهجريها وأراملها وثكالاها تملك وحدها الحق في مساءلة التاريخ لا أن يتساءلها أحد.
هذا الجزء أعتقد أنه خاص بالمقال الذي فوقه.