ليبيا.. عقد من الفوضى ومشهد سياسي متشظٍّ بين الميليشيات والتدخلات الأجنبية

بقلم/ محمود امجبر
بعد أكثر من عقد على اندلاع أحداث فبراير 2011 وما تلاها من تدخل عسكري دولي بقيادة حلف الناتو، لا تزال ليبيا تعيش حالة من الانقسام والتناحر، حيث تحوّلت من واقع إلى ساحة معقّدة لصراعات داخلية وإقليمية متشابكة، توظف فيها الميليشيات كأدوات للقوى المحلية والدولية في حرب بالوكالة.
منذ عام 2014، تبلورت خارطة الصراع الليبي بين سلطتين متنافستين تتقاسمان السيطرة الجغرافية والنفوذ العسكري؛ من جهة حكومة الوفاق الوطني التي تستند إلى تحالف ميليشيات الغرب الليبي وجماعات إسلامية أبرزها جماعة الإخوان المسلمين، ومن جهة أخرى القيادة العامة للقوات المسلحة في الشرق والجنوب، بقيادة المشير خليفة حفتر، التي تحظى بتأييد البرلمان وبعض القبائل والمدن الغربية والجنوبية تحت مظلة “الجيش الوطني الليبي”.
الاصطفافات الإقليمية.. تركيا وقطر في مواجهة مع دعم عربي
ومع تصاعد حدة النزاع، دخلت القوى الإقليمية والدولية على الخط، وبرز الدور التركي كأحد العوامل الحاسمة في ميزان الصراع. فقد ساهم التدخل التركي، سياسيًا وعسكريًا، في تعزيز موقع حكومة الوفاق، عبر تزويدها بالأسلحة الثقيلة والطائرات المسيرة والدعم اللوجستي، تحت ذريعة “المشورة والتدريب”، الأمر الذي مكّنها من صد تقدم القوات المسلحة في طرابلس سنة 2020.
ويُعزى هذا التدخل، حسب بعض الباحثين، إلى دوافع أيديولوجية مرتبطة بدعم جماعة الإخوان المسلمين، في ظل توجه أنقرة الإقليمي بعد خسارة نفوذها في مصر عقب إطاحة محمد مرسي.
الميليشيات.. السلاح الذي أجهض مؤسسات الدولة
تشير الوقائع الميدانية إلى أن الميليشيات لم تعد مجرد جماعات مسلحة، بل تحوّلت إلى أدوات فعلية في يد القوى الخارجية لتشكيل المشهد السياسي وفق مصالحها. وفي ظل غياب جيش وطني موحد، باتت هذه الجماعات تفرض شروطها على الحكومات، وتمارس تأثيرًا مباشرًا على إدارة الأمن والاقتصاد، وتعوق أي جهود أممية أو وطنية للتسوية السياسية.
القوى الدولية.. مصالح متضاربة وهواجس أمنية
بينما انشغلت دول جوار ليبيا كـ الجزائر وتونس بتأمين حدودها من تداعيات الفوضى، اختارت دول أخرى كإيطاليا وتركيا التغلغل في مفاصل الدولة، حيث عقدت روما اتفاقيات مع ميليشيات محلية للحد من الهجرة، الأمر الذي شجّع على تجارة البشر، وجعلها مصدر دخل لبعض التشكيلات المسلحة.
ويحذّر مراقبون من أن هذه الاصطفافات الدولية تُضعف أي مساعٍ لتقوية حكومة وحدة وطنية، وتُبقي البلاد تحت وصاية خارجية، خاصة في ظل تضارب مصالح القوى الكبرى داخل ليبيا.
الاستقرار الليبي.. رهان على تفكيك الميليشيات
يُجمع الكثير من المحللين على أن إخراج الميليشيات من دائرة القرار السياسي، وإنشاء مؤسسات أمنية موحدة، يشكّل الركيزة الأساسية لتحقيق الاستقرار، لكن هذا المسار لا يبدو سهلًا، بل يتطلب استراتيجية طويلة الأمد تتوازن فيها الضغوط الدولية مع الإرادة الوطنية.
يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع الليبيون استعادة زمام المبادرة ورسم مستقبلهم السياسي بمعزل عن تأثير البنادق الأجنبية والولاءات العابرة للحدود؟
التدخل التركي وخلفياته الأيديولوجية في المشهد الليبي
لم يكن التدخل التركي في ليبيا وليد المصالح الجيوسياسية فقط، بل حمل في طيّاته أبعادًا أيديولوجية، إذ حاولت أنقرة استثمار تحولات “الربيع العربي” لتمكين حركات الإسلام السياسي من الوصول إلى السلطة في عدد من دول المنطقة. هذا التوجه التركي هدف إلى بناء منظومة نفوذ إقليمية تستند إلى حكومات مؤيدة أيديولوجيًا للرئيس رجب طيب أردوغان.
وفي السياق الليبي، وجدت القوى الإسلامية، لاسيما تلك المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، دعمًا مباشرًا من أنقرة وقطر، ما جعلها جزءًا من مشروع إقليمي أوسع. ويُنظر إلى هذه القوى بوصفها امتدادًا لتيارات أيديولوجية تنشط في أكثر من ساحة عربية.
هذا المشهد المتشابك دفع القيادة العسكرية في الشرق الليبي، ممثّلة بالمشير خليفة حفتر، إلى اتخاذ موقف صريح ضد “أخونة” ليبيا، وتقديم نفسه بوصفه مدافعًا عن مشروع وطني يقف في مواجهة سياسات التمكين الإسلامي التي شهدتها بعض الدول المجاورة.