طرابلس: مدينة النفوذ المعلق وصراع الصمت المسلح

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري
في طرابلس، عاصمة ليبيا الجريحة، والمخطوفة لا تُدار الأمور بمنطق الدولة، بل تُدار بمنطق “من يملك الأرض يملك القرار”. حتى السفارات الأجنبية ومخابراتها تتمدد وتراقب من فوق أسوارها وتخترق مجتمعها المدني، والأمن الداخلي والخارجي يحتفظان بشواهد مهولة على توظيف أعداد من الليبيين يغذون هذه الأجهزة الأجنبية بالمعلومات التي تدخل في إطار التعامل مع الأجنبي ضد مصالح الدولة الليبية العليا.
العاصمة طرابلس التي تصدت للعدوان الأطلسي في 2011 تنتظر أن يقوم أهلها بانتفاضة شعب لعودتها إلى الوطن تحريرا من الهيمنة الاستعمارية وأولها الوجود الاستعماري التركي ومرتزقته السوريون طرابلس العاصمة من يمرّ بأحيائها المختلفة يظن أنها تنعم بالهدوء، لكنها في الواقع تعيش تحت سطوة صراع صامت لكنه مسلح، عنوانه السيطرة، ووقوده الميليشيات، وضحيته الوطن. قوة الردع الخاصة، التي تعتبر من أقوى التشكيلات المسلحة في العاصمة، ترفض مغادرة مطار معيتيقة، الذي تسيطر عليه بالكامل، ليس فقط كموقع أمني، بل كموقع سيادي، يخوّلها التحرك والتحكم في المشهد الأمني والسياسي بدرجة يصعب تجاوزها.
منظمات الردع لا تخفي نيتها في التمسك بهذا الموقع الاستراتيجي، بل تؤكد عبر مواقفها وعناصرها أنها لن تتراجع عن ذلك، حتى لو اقتضى الأمر المواجهة وهي القوية في عتادها وعناصرها ولديها حاضنة شعبية تقف من خلفها في المقابل، تتحرك تنظيمات مسلحة موالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، مدفوعة بحسابات جهوية ومناطقية، مطالبة بإخراج الردع من عدد من المواقع الحساسة داخل طرابلس، في محاولة لإعادة توزيع الكعكة الأمنية ومواقع النفوذ الجغرافي، لكن الواقع يقول إن التفاوض غائب، والحوار مقطوع، وكل طرف يستعرض قوته خلف الأبواب المغلقة، وكأنهم يستعدون لجولة جديدة من المواجهة لا تقل دموية عن سابقاتها.
المقلق في كل هذا أن عدد المتفرجين أكثر من عدد المتفاوضين. الجميع يراقب بصمت، أو يتحدث خلف الكواليس، بينما مصير العاصمة على المحك، والتوازنات الهشة مهددة بالانفجار في أي لحظة. المؤسسات الرسمية لا تمارس دورها، والسلطة المدنية غائبة، بل مختطفة من قبل سلاح لا يعرف إلا منطق الغلبة.
طرابلس اليوم لا يحكمها القانون، بل تُدار بمعادلات القوة المسلحة، والتفاهمات غير المعلنة بين اللاعبين الأقوياء. هذه المعادلات ليست إلا وصفة جاهزة للفوضى، خصوصًا في ظل استمرار عجز الدولة عن بناء جيش موحد وأجهزة أمنية محترفة تفرض هيبتها على الجميع دون استثناء.
ليبيا لا تستحق هذا العبث. والذين يتمسكون بالمواقع اليوم، قد لا يجدونها غدًا، لأن الأرض التي تُدار بمنطق السلاح لن تكون مستقرة لأي طرف. وإذا لم تُبذل الجهود الوطنية المخلصة من كل القوى الوطنية على كامل الأرض الليبية وأساتذة الجامعات ومنظمات الشباب والطلاب كقوة فاعلة في المشهد الليبي والأحزاب السياسية من أجل تحرير طرابلس من قبضة السلاح، فإننا مقبلون على مرحلة أكثر ظلمة، لن تنجو منها حتى تلك الأطراف التي تظن أنها منتصرة اليوم وتتمتع بالغنيمة والسلطة والرفاهية والزيارة للباب العالي.