مقالات الرأي

تكرار المشهد

بقلم/ غيث الشريف

يقال إنه عندما يعيد التاريخ نفسه في المرة الأولى يصبح مأساة وفي الثانية يصبح مهزلة، فهل يعقل أن كمية الغباء عند شعوبنا العربية مهولة، وغير معقولة لدرجة أنهم يكررون نفس الأخطاء ويعيدون التاريخ نفسه مراتٍ ومرات.

 فباستثناء الأحرار والشرفاء الذين فهموا المؤامرة منذ زمن بعيد وقاتلوا المشاريع الاستعمارية وما زالوا يناضلون ويرفضونها إلى يومنا هذا، وأيضًا أولئك العملاء والخونة الذين تم تجنيدهم لإسقاط أنظمة بلدانهم لأنهم يعرفون جيدًا أنهم يمارسون الخيانة مع سبق الإصرار والترصد.

هناك الذين هم في منزلة بين المنزلتين ولست أدري ماذا أسميهم هل هم المغرر بهم أم التُّبَّعْ أم المخدوعون؟

 فالعراقيون أول من وقع في هذا الفخ أعني الذين صدقوا كذبة كيماوي حلبجة ضد الأكراد والمجازر ضد الشيعة وأن بوش أراد تحريرهم من صدام.. أولئك الذين عندما أسقط الأمريكان تمثال صدام في ساحة بغداد ملفوف الرأس بالعلم الأمريكي أخذوا يجرونه على الأرض ويركبونه ويضربونه بأحذيتهم وهم يصرخون في نشوى غريبة وكأنهم سكارى وما هم بسكارى.. أولئك الذين وبمجرد أن سقطت بغداد قاموا بالسطو على البنوك ونهبوا المؤسسات العامة والوزارات ولم تسلم منهم حتى محتويات المكاتب من أجهزة وكراسي وطاولات وسجاد…إلخ.

… ومنذ ذلك التاريخ أصبحت العراق خرابًا ودمارًا بأسلحة اليورانيوم المخصب والمحرمة دوليًا واقتصاد مدمر وتضخم وهبوط خرافي لقيمة الدينار العراقي وضياع المواطن العراقي بين حاضر بائس ومستقبل مجهول، وانقسم العراقيون إلى عدة شعوب وطوائف بعد أن كانوا دولةً واحدة لا فرق فيها بين سُنِّي وشيعي ومسيحي وأزيدي أو عربي وكردي وتركماني، وانتشرت فيها العصابات المسلحة والتنظيمات الإرهابية والقتل على الهوية إلى أن انتهى الأمر بهذه الدولة أن أصبحت فاشلة معدومة السيادة ومقسمة النفوذ فيها بين أمريكا وإيران وتركيا.

.. وبعد سقوط بغداد بثماني سنوات كاملة.. تكررت القصة، ولكن هذه المرة على هيئة ربيع دموي لإسقاط أنظمة عربية بعينها ونشر الفوضى فيها.. ليتكرر نفس المشهد في ليبيا، فقد صدق أولئك الحمقى كذبة معمر يهودي وهروبه لفنزويلا والغارات على فشلوم وقتل العسكريين والمدنيين العزل والمرتزقة والقناصة وقصة الاغتصاب والرتل الذي جاء لتدمير بنغازي وأن الناتو جاء لحماية المدنيين ولنشر الديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان ليتم تخديرهم بعد ذلك بأبراج دبي والمرتب بالآلاف ومرسيدس الخبزة.. إلخ.

فقاموا كالقطيع خلف برنارد ليفي اليهودي ودون أن يفكروا أو يتعظوا مما حصل في العراق، وحملوا السلاح ضد بلادهم وقاتلوا جيشهم المتكون من أبنائهم وأعطوا الإحداثيات للناتو لتدمير بلادهم مكبرين وراقصين ومزغردين، وعندما قصف الناتو رتل الشهيد معمر القذافي هاهم وفي غياب تام للعقل يتحلقون حوله ويكبرون ويرفعون أيديهم بعلامة النصر ويمثلون بجثمانه في مشاهد مخزية سوف تبقى طويلًا في ذاكرة الوطن والتاريخ..

وتحولت ليبيا بعدها من دولة ذات سيادة وأمن واستقرار إلى فوضى، فلا دولة مدنية ولا مؤسسات، بل أصبحت مسخًا ليس له ملامح واضحة تتحكم فيها ميليشيات مؤدلجة ومسلحة دمرت النسيج الاجتماعي نتيجة التطاحن والحروب وأنهكت الاقتصاد نتيجة التهريب والنهب الممنهج لثروات البلاد ومواطن يقضي يومه لاهثًا بين طوابير المصارف والبنزين وغلاء الأسعار نتيجة التضخم وهبوط قيمة الدينار الليبي إلى أدنى مستوى بعد أن كان يناطح الدولار.. وأخيرًا أصبحت ممزقة بين شرق وغرب ومحتلة بقواعد للأمريكيين والروس والأتراك والإيطاليين والفرنسيين والإنجليز ومرتزقة من جنسيات مختلفة.

.. ثم جاء الدور على سوريا بعد 14 عامًا على سقوط طرابلس لتسقط دمشق بنفس الطريقة ونفس الكذبة وبنفس الأدوات (الإعلام المأجور والخونة والعملاء في الداخل والخارج) فينجر السوريون خلف ذلك غير متعظين ولا معتبرين مما حدث في العراق وليبيا، ليصدقوا أن الجولاني الذي لمعه الغرب وجعله كملاك طاهر بعد أن كان إرهابيًا ومطلوبا دوليًا ومن معه من أعتى متطرفي التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة وغيرهم من المرتزقة من جميع بقاع المعمورة، صدق السوريون بأن هؤلاء جاءوا لينقذوهم من حكم الأسد الدكتاتوري الذي كان يقتلهم وينكل بهم ويعتقل ويسجن وصدقوا قصص سجن صيدنايا المضحكة وفرحوا بأكياس الخبز لأنها أصبحت أقل بليرة أو ليرتين.

والآن ماذا يحدث في سوريا؟ والمواطن السوري يضع يده على خده وهو يرى مشاهد تكررت كثيرًا في سنوات مضت لكنه حينها لم يكن بوعيه بل كان مخدرًا تمامًا، فها هي بلادهم تحت حكم إرهابيين ممزقة أرضًا وعرقيًا وطائفيًا ومحتلة ومستباحة برًا وبحرًا وجوًا من قبل الأمريكيين والأتراك والإسرائيليين.

 فعندما يبدو الأمر وكأن أحدهم يقول لك بأن خلف هذا الباب يكمن الهلاك والموت الزؤام فلا تفتحه وأنت تصر على فتحه مستهترًا بكلامه وتقول ضاحكًا: أريد أن أجرب هذا الموت بنفسي.

.. هنا علينا أن نتوقف طويلًا.. لندرك أن على العقول السلام.

زر الذهاب إلى الأعلى