الطفل الفلسطيني الذي يأكل الرمل.. حين يُصبح التراب وجبة الفقراء تحت الاحتلال

بقلم/ آيات الزربي
في زاوية من زوايا الوجع العربي، وفي قلب الركام والأنقاض، يجلس طفل فلسطيني صغير، لا يحمل في يده لعبة، ولا يخبئ في جيبه قطعة حلوى، بل يحتضن قبضة من الرمل، ويقربها إلى فمه الصغير الجائع. لا لأنه لا يفرق بين الطعام والتراب، بل لأن الجوع أنهكه، واليأس غلب طفولته، والإنسانية صمتت عن وجعه.
في تلك الصورة التي جابت العالم، لم نرَ فقط طفلًا يأكل الرمل، بل رأينا أمة كاملة سقطت في امتحان الضمير. رأينا سؤالًا يُطرَح في عيون الملايين: كيف وصل بنا الحال إلى أن يصبح التراب وجبةً، والطفولة دمارًا، والصرخة صمتًا؟
أين الطفولة؟
الطفولة ليست قميصًا مكتوبًا عليه “PALESTINE”، ولا وجهًا متربًا، ولا يدًا صغيرة تمسك بالرمل بدل الخبز. الطفولة كانت حلمًا، ملعبًا، أمًا تحتضن، وطنًا يحمي، ومدرسة تُعلّم. لكن في فلسطين، الطفولة مسروقة، تُقصف قبل أن تكبر، تُحاصر قبل أن تمشي، وتُجَوَّع قبل أن تعرف معنى الشبع.
طفل فلسطين لا يعرف نكهة الأمان، ولا دفء المساء، ولا حكاية ما قبل النوم، بل يعرف صفير الصواريخ، وركام البيوت، وصوت الأمهات المكلومات. كبر قبل أوانه، وذبلت ملامحه قبل أن يكتمل الحلم في عينيه.
رغيف الحرية المغتصَب
منذ عقود، والاحتلال الإسرائيلي يحرم الفلسطينيين ليس فقط من الأرض، بل من الهواء والماء والحق في الحياة. العقوبات، الحصار، والدمار، حوّلوا الحياة في غزة والضفة الغربية إلى كابوس مستمر. وأصبح الخبز ترفًا، والحليب أمنية، والماء النظيف معجزة.
الطفل الذي يأكل الرمل لا يُمثل نفسه فقط، بل هو رمز لكل طفل فلسطيني بات جسده ضعيفًا، وبطنه خاويًا، وروحه منهكةً من حرب لم يخترها.
صرخة من تراب
صورة واحدة تختصر آلاف الكلمات. طفل يجلس على أنقاض بيته، ويمضغ رملًا ليُسكِت جوعه، ربما لا يدري أن هناك عيونًا تراقبه من خلف الشاشات، بعضها يبكي، وبعضها يصمت، وكثير منها لا يهتم. لكنه، رغم كل شيء، يعلّمنا درسًا لن ننساه: أن الأرض التي يأكل منها هي أرضه، وأن الكرامة لا تموت ولو أُجبرت على أكل التراب.
الاحتلال لم يهدم الحجر فقط… بل مزّق الطفولة
أكثر ما يوجع في القضية الفلسطينية ليس فقط عدد الشهداء ولا أنقاض المدن، بل غياب الطفولة. كيف لطفل أن ينمو وسط هذا الخراب؟ كيف له أن يرسم غدًا، إذا كان يومه مليئًا بالخوف والجوع والضياع؟ كيف يحلم من لم يذق سوى طعم الحصار والدم؟
في الختام…
طفل فلسطين الذي يأكل الرمل، ليس مجرّد صورة نمرُّ بها مرور الكرام، بل هو صفعة على وجه الإنسانية، وصوت يجب أن يُدوّي في ضمائر العالم. هو دليل على أن الحرمان ليس فقط من الطعام، بل من الأمان، من المستقبل، من الحياة.
ليته كان طفلًا كباقي أطفال العالم، يلهو، يضحك، يشبع. لكنه وُلد في وطن جريح، وطن لا يُشبع أطفاله، بل يُربّيهم على الكرامة… ولو في قلب الجوع.