ملفات وتقارير

شبح التقسيم يخيم على سوريا

تقرير – سيد العبيدي

الحرب الأهلية في السويداء وسيناريو التقسيم

عززت الحرب الأهلية المشتعلة حاليًا بين الدروز والعشائر البدوية في محافظة السويداء جنوب سوريا، من سيناريو التقسيم المطروح إقليميا بالتنسيق مع قائد هيئة تحرير الشام “أبو محمد الجولاني” خاصة مع وجود جبهات أخرى مفتوحة على نفس الخيار في الساحل السوري والشرق من قبل العلويين والأكراد، ما يضع وحدة ومستقبل سوريا على المحك.

وتعيش سوريا منذ وصول ميليشيات أبو محمد الجولاني “هيئة تحرير الشام” إلى السلطة في ديسمبر 2024 تحديات كبيرة تهدد باختفائها من خريطة الوطن العربي خلال سنوات قليلة، ما لم يأخذ الشعب بزمام المبادرة ويسقط تلك العصابة التي ثبت خيانتها وتعاونها مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية بالتوافق مع النظام التركي وبعض المطبعين العرب.

ويشكل الواقع الذي تسعى قوى إقليمية إلى فرضه على سوريا اليوم من خلال ميليشيات الشرع تهديدًا مباشرًا وحقيقًا أمام استقرار هذا البلد الذي يذهب رويدًا إلى التقسيم الإجباري وتحويل البلاد إلى دويلات صغيرة إذا ما أخذ في الاعتبار الديمغرافية التي يشكلها الأكراد والعلويون والدروز بحسب التواجد الجغرافي لكل طائفة وخطط من يقف خلفها ويدعمها سياسيًّا وعسكريًّا.

أحداث السويداء ومخاوف التقسيم

بدأت أحداث السويداء الأحد الماضي، نتيجة اشتباكات مسلحة وقعت بالجانب الشرقي للمدينة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى بسبب حادث سلب وقع على طريق دمشق، وفي واليوم التالي لقي 30 شخصًا و18 جنديًّا حتفهم، وأصيب 100 آخرون في اشتباكات بين ميليشيات أحمد الشرع وأهالي السويداء من الطائفة الدرزية.

غارات صهيونية على سوريا

والثلاثاء، تقدمت ميليشيات الشرع نحو السويداء وأعلنت الرئاسة الروحية لطائفة “الموحدين الدروز” رفضها دخول هذه القوات، وطالبت بحماية دولية، وعلى الفور، بدأ الكيان الصهيوني شن غارات جوية عنيفة على المدينة، ووصف وزير الدفاع الصهيوني يسرائيل كاتس هذه الغارات بأنها رسالة تحذير للميليشيات التي تسيطر على العاصمة دمشق.

وفي اليوم نفسه، أعلن قائد الأمن الداخلي بالسويداء فرض حظر تجوال حتى إشعار آخر، وقالت وزارة الدفاع السورية إن المجموعات الخارجة عن القانون تحاول الانسحاب إلى وسط المدينة. وقد رحبت الرئاسة الروحية لطائفة “الموحدين” بدخول القوات السورية لفرض الأمن بالمدينة، وأعلن وزير الدفاع السوري وقف إطلاق النار بعد اتفاق مع وجهاء وأعيان المدينة.

ولكن هذا الاتفاق لم يصمد طويلًا، حيث أكد كاتس الأربعاء مواصلة استهداف قوات الشرع حتى تنسحب من السويداء، تزامن ذلك مع عبور عشرات الدروز من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى سوريا، في حين أعلن شيخ عقل الدروز يوسف جربوع التوصل إلى اتفاق جديد من قوات الشرع يقضي بوقف العمليات بشكل تام ومن كافة الأطراف، كما أعلن مصدر أمني سوري إخراج كافة العناصر التي تعتبرها الحكومة خارجة عن القانون من المدينة.

أحداث الساحل السوري

ومطلع مارس الماضي، وقعت مجازر طائفية دامية ضمن أعمال عنف استهدفت مدنيين علويين في الساحل السوري أدت إلى مقتل نحو 1500 شخص في سلسلة هجمات منسقة نفذتها فصائل مرتبطة بالإدارة السورية الجديدة، وسط اتهامات بتطهير طائفي وتواطؤ رسمي.

وفي أعقاب الأحداث الدموية التي شهدتها منطقة الساحل السوري، كشفت وكالة “رويترز” في تحقيق صحفي موسَّع، نُشر بتاريخ 30 يونيو 2025، تفاصيل “حملة قتل طائفية ممنهجة” استهدفت مدنيين من الطائفة العلوية، وراح ضحيتها نحو 1500 قتيل خلال ثلاثة أيام فقط. وفقًا للتحقيق، نفذت الهجمات فصائل مسلحة تعمل تحت مظلة الإدارة السورية الجديدة، التي سيطرت على السلطة عقب سقوط النظام السوري. وقد وثق التحقيق، من خلال شهادات ناجين، مقاطع فيديو مسربة، وصور أقمار صناعية، ما وصفه بـ”أحد أكبر أعمال القتل الجماعي الطائفي في سوريا منذ اندلاع الصراع قبل أكثر من عقد”.

مجازر في قرى اللاذقية وطرطوس

وتوزعت المجازر على أكثر من 40 موقعًا في محافظتي اللاذقية وطرطوس، شملت عمليات إعدام ميدانية للرجال، وقتل النساء والأطفال، فضلًا عن إحراق منازل وتشويه جثث في بعض الحالات. في إحدى القرى، وحدها، سجلت 157 ضحية خلال ساعات فقط.

وقد أشار التقرير إلى أن المهاجمين كانوا يسألون المدنيين: “هل أنت سني أم علوي؟”، لتحديد مصيرهم بناء على الهوية الطائفية، فيما وصفته رويترز بأنه تطهير طائفي واسع النطاق.

فصائل متشددة واتهامات دولية

وأشار التحقيق إلى أن بعض الفصائل المتورطة تضم عناصر من تيارات متشددة، وبينهم مقاتلون أجانب، وتخضع تشكيلات منها لعقوبات دولية بسبب انتهاكات سابقة. ورغم نفي الإدارة السورية الجديدة استهداف العلويين كطائفة، فإن التنسيق بين بعض تلك الفصائل ومؤسسات رسمية، بما في ذلك وزارة الدفاع، بدا واضحًا في وثائق مسرّبة عرضها التحقيق، ما يثير تساؤلات حول تورط مباشر من قيادات عليا.

في السياق نفسه، أفادت لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في تقرير أولي صدر في يونيو 2025، بوجود “دلائل قوية على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ذات طابع طائفي”، مطالبة بفتح تحقيق دولي مستقل ومحاسبة المسؤولين عن هذه المجازر.

القضايا الخلافية بين المليشيات والدروز

من أبرز القضايا الرئيسية التي أدت إلى تُوتر العلاقات بين ميليشيات أحمد الشرع والدروز قضية نزع سلاح الميليشيات الدرزية ودمجها. ولم يتمكن الشرع، الذي يسعى إلى توحيد الفصائل المسلحة تحت جيش موحد، التوصل إلى اتفاقات مع الدروز، الذين يُصرُّون بشدة على الاحتفاظ بأسلحتهم وميليشياتهم المستقلة.

ولا يزال الدروز، حذرين من الشرع، وهو زعيم إسلامي ذو تاريخ جهادي، وقد أعربوا عن قلقهم إزاء استبعاد بعض قادتهم من عمليات الحوار الوطني التي يقودها الشرع، ومحدودية تمثيلهم في الحكومة الجديدة، التي لا تضم سوى وزير درزي واحد.

لماذا يتدخل الاحتلال في الشأن السوري؟

وفي السياق زعم رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب في غزة الثلاثاء، بأن الكيان الصهيوني “ملتزم بمنع إلحاق الأذى بالدروز في سوريا، انطلاقًا من التحالف الأخوي العميق مع مواطنينا الدروز في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وروابطهم العائلية والتاريخية معهم”.

ويعيش نحو 130 ألف درزي داخل الكيان الصهيوني في الكرمل والجليل شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى عكس الأقليات الأخرى داخل حدود الكيان، يُجنّد الرجال الدروز الذين تزيد أعمارهم على 18 عامًا في الجيش الصهيوني منذ عام 1957، وغالبًا ما يترقّون إلى مناصب رفيعة، بينما يبني الكثيرون منهم مسيرة مهنية في الشرطة وقوات الأمن.

كما أعلنت الحكومة الصهيونية من جانب واحد منطقة منزوعة السلاح في سوريا “تحظر إدخال القوات والأسلحة إلى جنوب سوريا” في حين رفضت الحكومة السورية إعلان الاحتلال منطقة منزوعة السلاح، ودعت، إلى جانب المجتمع الدولي وقف الأعمال العسكرية التي تنتهك سيادتها.

تطبيع العلاقات مع سوريا بشروط الاحتلال

وتسعى الولايات المتحدة جاهدةً إلى توجيه دول المنطقة نحو مسار مختلف، وتتوقع انضمام سوريا إلى اتفاقيات إبراهيم، وهي سلسلة من اتفاقيات تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني وعدة دول عربية، وصرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لشبكة CNN الشهر الماضي بأن “من مصلحة سوريا أن تميل نحو الاحتلال”.

وحدد وزير الخارجية الصهيوني، جدعون ساعر، الدول التي يتطلع الكيان إلى تطبيع علاقاته معها، إذ قال أواخر الشهر الماضي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره النمساوي: “الاحتلال مهتم بتوسيع نطاق السلام والتطبيع الذي تضمنته اتفاقيات إبراهيم”. وأضاف: “لدينا مصلحة في ضم دول، مثل سوريا ولبنان، جيراننا، إلى دائرة السلام والتطبيع، مع الحفاظ على مصالح الكيان الأساسية والأمنية”.

وأجرى الكيان الصهيوني محادثات مباشرة وغير مباشرة مع الحكومة السورية الجديدة، في مؤشر على تحول في العلاقات بين الخصمين السابقين منذ سقوط النظام السوري

زر الذهاب إلى الأعلى