مقالات الرأي

معادلات سايكس بيكو الجديدة

بقلم/ ناجي إبراهيم

الأمة العربية تخوض آخر معاركها ضد الاستعمار ومشاريعه ومخططاته في منطقتنا والعالم، والتي لا نعتقد أننا سننتصر فيها ونحن ننشغل بمعاركنا الطائفية والعرقية وحتى القبلية والمناطقية، وتحويل الصراع من صراع مع الخارج الذي يستهدفنا جميعا إلى معارك تشبه (داحس والغبراء)، معارك مكلفة وباهظة الثمن لأن طرفيها هم الذين يستهدفهم المشروع والمخطط الاستعماري (يحفرون قبورهم بأيدهم).

الخطير والذي يجعلنا نميل إلى التشاؤم وتوقع الفناء المحتم أو في أحسن الأحوال تحويلنا إلى رعايا وعبيد، للسيد الجديد الذي يستلم مفاتيح المنطقة ومن ثم رقابنا، والذي يجني ويستثمر في ضعفنا وتشتتنا وكيلًا جديدًا عن الغرب الاستعماري الذي أنتج سايكس بيكو ليمهد لمشروعه القادم بعد تراجعه أمام وعي الشعوب عن أدواته القديمة التي فشلت في إخضاع الشعوب لهيمنتها إلى الأبد، ولكنها نزعت عنها ثوبها القديم وخرجت من الباب لتطل علينا بثوب جديد من نافدة ما سمي الربيع العربي، الذي سبقه ربيع آخر في أوروبا الشرقية تحت شعارات تلقفها السذج والجهلة وانخرطوا فيها، وها نحن نحصد ثمارها حروبًا وفسادًا ونظمًا هشة ودولًا مقسمة ومكونات متصارعة ما كنا نعرفها.

الخطير في هذا المشروع القديم الجديد هو أننا نواجه بعضنا ونزهق أرواح ذوي القربى وإخوتنا في الوطن، ونعطي المبرر تلو الآخر لتدخل الخارج الذي ساقنا إلى هذه الأوضاع لغايات في نفسه، قطار الاستعمار الذي بدأ من بغداد بمساندة ودعم من نظم عربية في الخليج العربي لم يتوقف وشمل ليبيا وسوريا، ولن يتوقف ولن يستثني الذي دعموه والذين يدسون رؤوسهم في الرمال والذين ينحنون للعاصفة والذين يسوقون له عبر وسائل الإعلام ويشيطنون أي جهد مقاوم، وإقناعنا بأن المقاومة هي السبب في هذا القتل وهذا التداعي للقوى الاستعمارية في تبرير وتبرئة مجانية للجرائم التي ترتكبها دولة الكيان الصهيوني ضد شعوب المنطقة مدعومة من دول الغرب الإمبريالي.

هل توجد في سوريا مقاومة للمشروع الصهيوني بعد سقوط نظام الأسد وتولي السلطة جبهة تحرير الشام التي كانت توصف بالإرهابية؟

النظام الجديد الذي نزع عباءة النصرة لم يصدر بيانا يدين فيه الاجتياح الإسرائيلي للأراضي السورية وقصف البنية التحتية للجيش السوري وتدمير مقدرات الشعب السوري، وقابلها بصمت، بل وذهب إلى أبعد من ذلك وتواصل مع الكيان وأبدى استعداده لعقد اتفاقيات للتطبيع معه، هل هذا الموقف الذي لم تعلنه سوريا طيلة عمر الصراع العربي الصهيوني كف يده عن العدوان والاجتياحات المستمرة للأراضي السورية وتدخله في الصراعات الداخلية السورية؟ بل استمر في انتهاكه اليومي لما تبقى من السيادة السورية، ومضى في تحقيق حلمه التوراتي الذي نراه يتحقق بالوصول إلى الفرات، ولن يتوقف هذا المشروع إلا بوصول جيشهم أمام فندق شيراتون الجزيرة بالقاهرة.

نعلم أن البعض سيقول هذا محض خيال، وحتى الوصول للفرات كان مجرد حلم صهيوني توراتي وربما صنعه مؤسسو الحركة الصهيونية في بازل عام 1898 وهم يعلنون قيام دولتهم بالتأكيد من عاصروا ذلك الإعلان قالوا هذا خيال.

خدعونا قبل ما سمي بالربيع العربي عندما قالوا إن جميع مشكلاتنا الحياتية هي بسبب غياب الديمقراطية، بعد الربيع لم نظفر بالديمقراطية وتدهورت أوضاعنا المعيشية حتى صار الحصول على ساعات من الكهرباء وأمتار من الأسفلت مدعاة للاحتفال وتصبح يومًا وطنيًا.

وبعد الربيع قالوا إن جميع مشكلاتنا ستنتهي بمجرد إنجاز الدستور والذهاب إلى الصندوق، وتراجعوا عن قولهم هذا عندما تيقنوا أن الصندوق قد ينتج سلطة لا تخدم مشروعهم، فذهبوا بنا مرة إلى الصخيرات وأتوا لنا بحكومة وفق خياراتهم، ومرة أخرى إلى جنيف وصنعوا حكومة تحقق لهم ما فشلت فيه التي سبقتها، ودعموها لإفشال أي سعي نحو الخروج من هذا النفق الذي أوقعونا فيه، وأقنعوا البعض أن صراعنا سياسي من أجل السلطة، ولم يشر أي مبعوث أممي من المبعوثين الدوليين من بعيد أو قريب إلى المشكلة التي تكمن في ارتهان القرار المحلي لدول خارجية وتوكيل بعض القوى الإقليمية للقيام ببعض الأدوار خاصة ما يتعلق منها بالأمن.

ووفقًا للمعطيات التي تحدث على الأرض وما يتم داخل مطابخ المخابرات التي لم ولن تتوقف عن صنع المؤامرات، وما يتداوله السياسيون على طاولة النقاشات وما يتسرب عبر وسائل الإعلام التي تخلق الذرائع لأي تدخل فإن ما دبر ويدبر للمنطقة والعالم هو إعادة للتموقع الجديد للمستعمر القديم بأدوات حديثة وأساليب مبتكرة تشبه إلى حد ما سايكس بيكو أو تعديل له، هذا المخطط يجري تنفيذه ولن يتوقف إلا في حالة واحدة فقط تكاتف الشعوب لمقاومته والإصرار على هزيمته.

زر الذهاب إلى الأعلى