مقالات الرأي

الإعلام التوعوي لصحتنا وحياتنا

بقلم/ علي المبروك أبو قرين

تتطور المجتمعات والأجيال وتتزاحم العلوم والمعارف وتتغير السلوكيات والثقافات، وخصوصًا مع التطورات التقنية والتكنولوجية والرقمية التي جعلت العالم قرية واحدة صغيرة، تؤثر وتتأثر.

ونظرًا إلى التحديات الكبيرة والتهديدات المتعددة التي تتعرض لها المجتمعات ومنها الصحية والتعليمية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية وغيرها، لهذا للإعلام التوعوي المجتمعي ضرورة ملحة لتعزيز الوعي العام، ورفع مستوى إدراك الناس بالمشاكل الصحية، ويصحح المفاهيم الاجتماعية الخاطئة، ويقوم بتوجيه الأفراد والمجتمعات نحو أنماط معيشية صحية متكاملة، ويحمي المجتمع من المعلومات المضللة، ويواجه الشائعات والخرافات المنتشرة خاصة عبر وسائل التواصل، ويحرص على تقديم المعلومات الصحيحة والدقيقة من مصادر موثوقة وبطريقة مبسطة وسهلة ومفهومة، ويحصن المجتمع معرفيًّا ضد التأثيرات السلبية لبعض الإعلانات التجارية، أو الثقافات الدخيلة التي لا تتناسب مع قيم ومبادئ المجتمع الدينية والأخلاقية، ويساهم في تغيير السلوكيات ويقوم على تقويمها، ومنها التدخين والإدمان والعنف الأسري والانحراف والتسرب من التعليم وغيرها.

وللإعلام التوعوي دور في تعزيز القيم والانتماء والمواطنة، واحترام القانون، والتعاضد والتكافل الاجتماعي، ودعم جهود التنمية، ويعزز التعليم المستمر، ومحو الأميات التعليمية والصحية والاجتماعية، وله دور كبير في تسليط الضوء على مشكلات التلوث والاحتباس الحراري، وسوء استخدام الموارد، ويشرح آثار الممارسات غير البيئية على صحة وحياة الإنسان، وعلى الاقتصاد المحلي والتنمية.

ومن مرتكزات البناء الاستراتيجي للإعلام التوعوي المجتمعي تحليل الواقع والاحتياجات، ورصد المشكلات السائدة (الصحية والتعليمية والبيئية والاجتماعية والسلوكية والاقتصادية وغيرها)، وتحديد الفجوات في الوعي، وتحديد الأهداف التي يجب تحقيقها، والعمل على التمكين المعرفي بتقديم المحتوى العلمي والعملي والمتخصص المبني على الأدلة والبراهين، وإن البناء الاستراتيجي للإعلام التوعوي المجتمعي هو مشروع تنموي بإمتياز، يحتاج إلى رؤية شاملة، وموارد بشرية متخصصة ومؤهلة، وقيادات واعية، وشراكات قطاعية جادة، ودعائم تشريعية وتنظيمية، وسياسات واضحة، مع الفهم العميق لحاجات المجتمع الماسة لمنظومة إعلامية توعوية لها تأثير واسع وشامل ومستمر ومنتظم.

وللإعلام التوعوي الصحي والطبي أهمية قصوى لدوره كدرع وقائي واستراتيجي للتأهب المجتمعي في ظل التحديات والتهديدات الخطيرة المتزايدة من الأوبئة (القديمة والجديدة والمتجددة والمتحولة والمتحورة)، والأمراض المعدية والمزمنة (تتزايد وتتنوع)، والأمراض النفسية والعقلية والاجتماعية، وحوادث الطرق والحوادث المنزلية والمهنية، والتغيرات البيئية والمناخية (حرارة وجفاف وتلوث بيئي وفيضانات وسيول وعواصف وأعاصير وزلازل)، لذلك للإعلام التوعوي الصحي ضرورة ملحة لنشر الثقافة الوقائية (اللقاحات، والنظافة، والتغذية الصحية المتوازنة، وممارسة الرياضة، والنوم الكافي، وتجنب التوتر والقلق والغضب)، ورفع الوعي بفائدة الكشف المبكر، وخطورة التأخر في التشخيص والعلاج، وخطورة التدخين وتعاطي المخدرات والكحول، والمشروبات الغازية، والزيوت المهدرجة، والدهون واللحوم والأطعمة المصنعة، وللإعلام التوعوي الصحي أهمية في التوجيه السريع في حالات الطوارئ الصحية والكوارث، والتفاعل الفوري مع الأزمات، وتغيير السلوكيات الخاطئة المرتبطة بالصحة.

إن الإعلام التوعوي يلعب دورًا مهمًّا وجوهريًّا في تعزيز وعي المجتمع، وتوجيه سلوكياته نحو الأفضل، وبالأخص في الصحة، والتعليم، والسلوك المجتمعي، والأمن الغذائي والدوائي، ولهذا بالضرورة وضع سياسات وطنية للإعلام التوعوي ضمن رؤية تنموية شاملة، واعتماد مبدأ التوعية أولوية وطنية، وربط الإعلام التوعوي بمؤشرات أداء وطنية قابلة للقياس، مع ضرورة تعزيز التوعية عبر التعليم الرسمي، والتثقيف الصحي، والتوجيه الديني، ودور الأسرة والمجتمع والقدوة، إن المعرفة غير المنظمة مهما بلغت جودتها تفقد تأثيرها إذا لم يتم إيصالها للجمهور بأسلوب ممنهج، وإن الإعلام التوعوي المجتمعي درع وقائي.

زر الذهاب إلى الأعلى