مقالات الرأي

في ذكرى ثورة يوليو المجيدة

بقلم/ د. عبدالسلام محمد إسماعيل

عاشت الأمة العربية في بداية ومنتصف القرن العشرين ظروفًا صعبة نتيجة الزج بالمنطقة رغمًا عنها في أتون الحربين العالميتين، وعلى خلاف الاعتقاد السائد بأن الحرب العالمية الأولى والثانية هما حربان أوروبيتان خالصتان، فإن منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكذا مناطق من أفريقيا وخصوصًا شمالها، قد شهدت أعنف معارك الحربين، بل يمكن القول إن معارك الحرب العالمية الثانية في شمال أفريقيا قد وضعت بداية النهاية للحرب الكونية الثانية.

إرث الحرب العالمية الثانية والتقسيم على أساس النفوذ الاستراتيجي والإرث الاستعماري خلق من المنطقة العربية مكانًا للتخلف والجهل، وموطنًا للمرض والفقر، وجعل دولها منقوصة السيادة تدور في فلك الاستعمار القديم.

رغم قساوة المشهد وسواد الصورة، قامت في مصر ثورة 23 يوليو 1952م. حملت الثورة الوليدة لواء (الحرية والاشتراكية والوحدة)، إيذانًا بانبلاج عهد جديد لمصر خاصة، والأمة العربية عامة، يكون من أولوياته تحرير القرار السياسي المصري من قوى الاستعمار والخروج من دائرة التبعية لأي من المعسكرين: الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربي بقيادة الولايات المتحدة. وكان لها ذلك عبر إنشائها وقيادتها – رفقة الهند والصين – لحركة عدم الانحياز التي شكلت حالة توازن عظيمة للقوة، كما أممت قناة السويس، وبنت السد العالي، وحررت الفلاحين من الإقطاع، وأطلقت الثورة الصناعية.

أعلنت ثورة يوليو قومية المعركة، وخاضت حروبًا طاحنة قدّمت فيها الآلاف تلو الآلاف من الشهداء في سبيل تحرير فلسطين، كما خاضت الدبلوماسية المصرية معاركها أيضًا لانتزاع اعتراف العالم بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها بناء دولته المستقلة على كامل أراضيه المحتلة. كما دعمت أيضًا بكل السبل ثورة الشعب الجزائري في كفاحه المسلح ضد الاستعمار الفرنسي حتى تحقق له النصر والتحرير.

مع بداية ثورة يوليو، خرجت من مصر جيوش من نوع آخر تجاه كل البلدان العربية التي عانت من الجهل والتخلف أثناء الحقبة الاستعمارية، خرج من مصر عشرات الآلاف من المعلمين متسلحين بالعلم والعزم على تنوير درب إخوانهم من الشعوب العربية. فلا تجد مدرسة في ليبيا أو الجزائر أو العراق أو اليمن أو دول الخليج كافة، إلا والمعلم المصري يكافح الجهل وينشر العلم ويزرع المعرفة، وكذلك الطبيب المصري، والمهندس المصري، وحتى المُشرّع المصري، كان له دور في صياغة القوانين في الدول العربية الناشئة. فكانت معركة من نوع آخر حقًا، أنجزتها ثورة يوليو ورجال مصر بكل اقتدار.

أنارت ثورة يوليو درب الشعوب العربية كافة، وأوقدت روح الثورة في نفوس أبناء الأمة، فانتصرت جبهة التحرير الوطني ونالت الجزائر استقلالها، وقامت الثورات العربية في ليبيا والسودان وسوريا والعراق واليمن، وخاضت شعوبها مرحلة النضال القومي والتحرر الوطني، حيث عاشت الشعوب العربية حالة الحلم العربي الذي لم يوقظنا منه إلا عودة الاستعمار من جديد من بوابة الربيع العبري المشؤوم.

ما أحوجنا اليوم إلى روح ثورة 23 يوليو… في ذكراها الثالثة والسبعين، المجد والخلود للضباط الوحدويين الأحرار وقائدهم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.

زر الذهاب إلى الأعلى