مقالات الرأي

امتيازات لتركيا مهينة للشعب الليبي

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري

في المشهد الليبي المتقلب، لا تمرُّ أيام الأسبوع إلا وتحمل معها تطورات مؤلمة وكوارث سياسية واقتصادية تتعمَّق يومًا بعد يوم. وفي أحدث حلقات هذا التدهور، أقدمت المؤسسة الوطنية للنفط على توقيع مذكرة تفاهم مع شركة النفط الوطنية التركية TPAO لمسح واستكشاف مناطق بحرية في المياه الإقليمية الليبية. ويُعد هذا التوقيع استكمالًا لسلسلة من العبث والتفريط في السيادة الوطنية، بدأت مع الاتفاقية البحرية التي وقَّعتها حكومة الوفاق سابقًا مع أنقرة، والتي رفضها الشعب الليبي بشكل قاطع، واعتبرها محطة خطيرة تمس بثرواته البحرية والنفطية.

إن ما يحدث اليوم هو تجريم وطني بامتياز، ليس فقط بسبب طبيعة الاتفاقية، بل لأن الطرف المقابل هو دولة مارقة، أطماعها الاستعمارية في ليبيا قديمة، وكانت جزءًا من تحالف الناتو الذي دمَّر البلاد ومزَّق نسيجها. فالتواجد التركي في ليبيا لم يكن يومًا إنقاذًا، بل استغلالًا للانقسام السياسي وتخريبًا منظمًا للاقتصاد الوطني، بغطاء من شخصيات ومؤسسات متورطة في ترسيخ الاحتلال الاقتصادي والعسكري. وما يزيد الطين بلة، أن الشركة التركية ليست حتى من الشركات ذات الخبرة في مجال النفط البحري أو تكرير النفط، بل مجرد ذراع سياسية واقتصادية لتحقيق النفوذ. ويُخشى أن يكون هذا التوقيع الجديد مدخلًا لتوسيع السيطرة التركية على كافة القطاعات، بدءًا من العقارات إلى المطارات، والآن النفط.

لقد حاربت ليبيا منذ السبعينيات من أجل فرض سيادتها على مياهها الإقليمية في البحر المتوسط، حتى في مواجهة مباشرة مع الأساطيل الأمريكية، وتمكنت بصلابة مواقفها من تحقيق انتصارات سياسية وقانونية عزَّزت حقها التاريخي في ثروات البحر. فهل يُعقل أن تأتي اليوم سلطة مؤقتة فاقدة للشرعية لتفرِّط في هذا الإنجاز مقابل مذكرة تفاهم مشبوهة؟! إن تجاوز المؤسسة الوطنية للنفط للسلطات التشريعية، وفي مقدمتها مجلس النواب، عبر توقيع مذكرات دولية من هذا النوع، يُعد خرقًا دستوريًّا ومخالفةً لقانون الدولة. ومثل هذا السلوك هو بوابة للتفريط والإذلال، ولا يمكن السكوت عليه. ويتطلب من النقابات النفطية، والأقلام الليبية والنخب الليبية والأحزاب الليبية مواجهة هذا التفريط الخطير في ثروات البلاد ويعتبر التعدي على حقوق الشعب بمثابة جريمة في حق الوطن لا تسقط بالتقادم.

زر الذهاب إلى الأعلى