مقالات الرأي

الأموال الليبية بين التجميد والانسيابية

بقلم/ عفاف الفرجاني

في أول عملية اختلاس شهدتها ليبيا وهي انخفاض إجمالي الأرصدة الليبية النقدية بالخارج بنحو 67 مليار دولار، جاء هذا وفقًا لما صرحت به التقارير الرقابية المحلية والأجنبية، يأتي هذا بعد قرار الأمم المتحدة القاضي بالإطاحة بحكم الجماهيرية في 2011، حيث قُدرت بنحو 150–200 مليار دولار في بنوك ومؤسسات مالية عبر العالم، واستمر التجميد لأكثر من أربع عشرة سنة، ولم يُرفع الحظر إلا بنسبة تدريجية، كتسهيلات للأصول في مطلع هذه السنة (2025)، حيث يُسمح بإعادة استثمار جزء من هذا المجمد النقدي لصالح حكومة الدبيبة.

قد يتصور البعض أن العائق الوحيد الذي يقف أمام هذا الملف المعقد هو الخلاف بين الحكومات الليبية المتنافسة (شرقًا وغربًا) حتى تتوحَّد الرؤية لاسترداد الأموال سواء عن طريق استثمارها أو استرجاعها، متجاوزين فكرة نهبها بشكل شخصي دون الرجوع إلى الحكومات، هذا ما صرحت به بعض المصادر الأجنبية بأن هناك حالة من النهب تعصف بالأموال الليبية، والمتهم فيها أطراف محلية مع جهات أجنبية في سابقة اختلاس دولية، تم توجيه التهمة إلى بعض الشخصيات الاعتبارية في جهاز الاستثمارات الليبية الخارجية تحديدًا في بلجيكا، ولكن هذا الموضوع خرج كزوبعة إعلامية دون محاسبة قانونية.

ومن ناحية أخرى، فإن هناك بعض الأطراف الدولية استخدمت هذه الأصول كورقة ضغط سياسية أو قانونية على ليبيا. هناك بعض التقارير الداخلية والخارجية كشفت أن فوائد الأموال لو استُثمرت تبلغ عشرات الملايين الشهرية التي من شأنها أن تساعد في التخلص من الأزمات الاقتصادية التي مر بها الليبيون بدل تجميدها.
في تقديري، إن الحلول القانونية الشاملة لهذه المعضلة تكون أولًا بإقفال دعاوى التجار والدائنين الأجانب الذين استغلوا الفوضى السياسية والأمنية في ليبيا، وفي حال تم الإفراج التدريجي مثلما حصل مع حكومة الدبيبة، يجب وضع مراقبة صارمة لحركة الأموال لضمان وصولها للشعب الليبي وليس لصالح فئة وأشخاص معينين، من خلال وضعها ضمن مهام اللجنة العليا للقضاء، حتى الوصول إلى حلول توافقية وطنية شاملة، وإلا فإن ما حدث من إفراج جزئي لهذه الأموال لصالح حكومة منتهية لن يكلّف ليبيا إلا المزيد من تغوُّل الميليشيات والحكومة.

وكل هذا لن يتأتى إلا بجهود وطنية وقيادة حكيمة وشرعية قانونية متمثلة في الوقت الراهن في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، والتعاقد السريع مع مكاتب محاماة دولية متخصصة لاستصدار أحكام دولية سريعة تمنع تحريك أو التصرف في الأموال الليبية لصالح جهات غير شرعية مثل حكومة الوحدة اللاوطنية. أيضًا، هناك خط آخر للمحافظة على أموال الوطن من خلال إطلاق حملات إعلامية داخل ليبيا وخارجها لفضح أي محاولات نهب أو استخدام غير مشروع لهذه الأموال، والدعوة لاستحداث رقابة شعبية مهمتها التنسيق مع الجاليات الليبية في أوروبا وأفريقيا وبعض الدول التي فيها حوافظ استثمارية أو أصول، ليكونوا مراقبين شعبيين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

إن الحفاظ على الأصول الليبية مسؤولية وطنية وتاريخية، لن تأتي إلا بتعزيز الشفافية والمحاسبة. كما أن استمرار تجاهل هذا الخطر وترك الأموال تتدفق تدريجيًّا لحكومة (مافيمليشياوية) قد يُكلف هذا الجيل والأجيال القادمة خسائر لا يمكن تعويضها، سواء على مستوى الاقتصاد الوطني أو الثقة الشعبية.

زر الذهاب إلى الأعلى