بريكس تهدد عرش الغرب وتدق مسمارًا في نعش الإمبريالية

بنك التنمية الجديد والعملات الوطنية أدوات بريكس في مواجهة الهيمنة الغربية علي الاقتصاد العالمي
تقرير – سيد العبيدي
من أجل عالم متعدد الأقطاب، وفي إطار العمل على تقويض الهيمنة الغربية التي تفرضها أمريكا منذ عقود على الدول النامية، تواصل مجموعة “بريكس” ترسيخ نظامها الجديد الذي لا يقتصر على تحرير الاقتصاد الدولي من قبضة الولايات المتحدة فحسب، بل سيشمل تغييرات جيوساسية في جوهر عمل منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية الاقتصادية والحقوقية والقانونية المؤثرة حول العالم.
كان هذا محور نقاش القمة الـ 17 لـ”بريكس” في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية التي دعا لها الرئيس لولا دا سيلفا، حيث اصطف قادة المجموعة أمام جبل “شوغار لوف” في ريو دي جانيرو، وقد بدت عليهم علامات الثقة والتحدي، خلال أعمال القمة في مشهد بدا وكأنه إعلان ضمني لانطلاق “النظام العالمي البديل”.
إلى ذلك رفعت المجموعة التي تضم الاتحاد الروسي والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، صوتها عاليًا في مواجهة سياسات الغرب، وخصوصًا إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، متبنية مواقف، وصفها مراقبون بأنها “تصعيدية ومناهضة للهيمنة الأمريكية “على العالم.
توسع إستراتيجي حول العالم
تأسست بريكس في 2009 كتحالف اقتصادي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وشهدت تحولا نوعيا العام الماضي بعد أن توسعت لتضم خمس دول إضافية هي “مصر والإمارات وإندونيسيا وإيران وإثيوبيا، ما جعلها تُمثّل اليوم 49 % من سكان العالم، أي ما يعادل نحو 3.9 مليارات نسمة، إضافة إلى 39 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وفقًا لإحصاءات بلومبيرغ.
هذا التوسّع رفع من طموحات التكتل وجعل مراقبين يرون فيه تهديدًا مباشرًا لمجموعة السبع (G7) التي طالما احتكرت القرار الاقتصادي العالمي، ومجموعة العشرين التي سعت إلى التمثيل الأوسع دون أن تغير المعادلة الفعلية للهيمنة الغربية.
بريكس تصعد ضد سياسات ترامب
أثناء أعمال القمة التي انطلقت في 6 يوليو الجاري وامتدت يومين في ريو دي جانيرو، أصدرت المجموعة بيانا رسميا تضمّن “قلقا بالغا” إزاء تصاعد الرسوم الجمركية العالمية، وهاجم ما وصفه بـ”الإنفاق العسكري المفرط” من جانب الدول الغربية. كما أدانت القمة الغارات الجوية التي استهدفت إيران، وهي عضو في بريكس، في خطوة اعتُبرت ردًا مباشرًا على إدارة ترامب.
ولم يتأخر الرد الأمريكي، إذ خرج الرئيس دونالد ترامب عبر منصته الخاصة “تروث سوشيال” ليهدد بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 % على “كل دولة تتماهى في سياسات “بريكس” التي وصفها بـ “المعادية لبلاده”، على حسب تعبيره.
وهدد الرئيس الأمريكي، قائلًا: “من يختار الوقوف إلى جانب “بريكس”، فعليه أن يتحمل تكلفة اقتصادية مباشرة”.

البيان الختامي للقمة الـ”17″
وعلى صعيد جدول أعمال القمة، جاء في البيان الختامي للقمة، التأكيد على إصلاح الحوكمة العالمية وتحسينها من خلال تعزيز نظام دولي متعدد الأطراف أكثر عدلًا وإنصافا ومرونة وفاعلية وكفاءة واستجابة وتمثيلًا وشرعية وديمقراطية ومساءلة، بروح التشاور المكثف والمساهمة المشتركة والمنافع المشتركة، كما تم التأكيد على الالتزام بالتعددية ودعم القانون الدولي، بما في ذلك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، باعتباره حجر الزاوية الذي لا غنى عنه، والدور المحوري للأمم المتحدة في النظام الدولي.
ودعا البيان، لإصلاح شامل للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن التابع لها، بهدف جعله أكثر ديمقراطية وتمثيلا وفاعلية وكفاءة، وزيادة تمثيل الدول النامية في عضوية المجلس ليتمكن من الاستجابة بشكل مناسب للتحديات العالمية السائدة، ودعم التطلعات المشروعة للدول الناشئة والنامية من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بما في ذلك دول مجموعة بريكس، للعب دور أكبر في الشؤون الدولية، ولا سيما في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن التابع لها.
بريكس تدين العدوان على إيران وغزة
كما أدان بيان ريو دي جانيرو، الضربات العسكرية على إيران، ووصفها بأنها تمثل انتهاكًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأعربت المجموعة عن قلقها البالغ إزاء التصعيد اللاحق للوضع الأمني في الشرق الأوسط، وتابع البيان: قطاع غزة يشكل جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي هذا الصدد، أكد البيان على أهمية توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سلطة الإدارة الفلسطينية، مؤكدًا حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بما في ذلك حقه في إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
التعددية القطبية وتوسع آفاق الدول
وأقر البيان بأن التعددية القطبية تُوسّع آفاق الدول الناشئة والنامية لتطوير إمكاناتها البناءة والتمتع بعولمة وتعاون اقتصاديين شاملين ومنصفين ومفيدين للجميع، كما أدان فرض تدابير قسرية أحادية الجانب تتعارض مع القانون الدولي، مؤكدًا أن هذه الإجراءات، بما فيها العقوبات الاقتصادية الأحادية والعقوبات الثانوية، تترك آثارًا سلبية واسعة النطاق على حقوق الإنسان، لا سيما في ما يتعلق بالحق في التنمية والصحة والأمن الغذائي لشعوب الدول المستهدفة. كما دعا بيان “بريكس” إلى إلغاء مثل هذه التدابير غير القانونية التي تقوض القانون الدولي ومبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة.
وتابع البيان: دول بريكس لا تفرض ولا تدعم العقوبات غير المعتمدة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتي تتعارض مع القانون الدولي، كما أن مبدأ الحلول الإفريقية للقضايا الإفريقية “يجب أن يظل أساسًا لتسوية النزاعات في القارة الأفريقية”، كما أدان البيان بأشد العبارات الهجمات على الجسور والبنية التحتية للسكك الحديدية التي استهدفت عمدًا المدنيين في مقاطعات بريانسك وكورسك وفورونيج للاتحاد الروسي، والتي أدت إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين، بمن فيهم أطفال.

نفوذ اقتصادي عالمي يصعب تجاهله
من الناحية الاقتصادية، تُشكل بريكس 49 % من سكان العالم و40 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و25 % من التجارة العالمية، كما تحتفظ دول المجموعة بموارد هائلة في الطاقة والمواد الخام، إذ تضم روسيا والبرازيل، إلى جانب إيران، كبرى الدول المنتجة للنفط والغاز.
وبدأت المجموعة في تخطي معدلات النمو العالمية، إذ بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بها 4 % في عام 2024، بتوقعات نمو 3.4 % في عام 2025، بينما بلغ معدل النمو العالمي 3.3 %، بتوقعات نمو 2.8 %، وهو ما يتضح أنه على الرغم من توقعات صندوق النقد الدولي بانخفاض النمو في كل من بريكس والعالم، فإن انخفاضه في المجموعة أقل بكثير من انخفاضه على مستوى العالم.
هذا وتمتلك الصين والهند، وهما عضوان رئيسيان، صناعات تكنولوجية وإنتاجية ضخمة، وتعدّان من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم. ورغم ذلك، تنتقد دوائر غربية ـ بحسب بلومبيرغ ـ ما تصفه بـ”عجز بريكس عن تحويل ثقلها العددي إلى نفوذ فعلي”، إذ لم تستطع المجموعة، حتى الآن، إنشاء مؤسسات مالية بديلة قوية تكافئ البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، رغم تأسيسها “بنك التنمية الجديد” في 2015.
بنك التنمية الجديد
وفي إطار سعيها لتوفير بدائل للمؤسسات المالية الدولية المهيمنة، أنشأت بريكس “بنك التنمية الجديد” (NDB) الذي يعد أحد أبرز أدوات المواجهة الاقتصادية بين التكتل والغرب.
ويشكل هذا البنك بديلًا للمؤسسات المالية الغربية، إذ يتيح للدول الأعضاء تمويل مشاريعها التنموية وتقليل اعتمادها على الأنظمة المالية التقليدية التي يسيطر عليها الغرب، ويعزز استقلالية اقتصادات دول الجنوب العالمي ويعيد رسم دورها في النظام الدولي.
وبحسب موقعه الرسمي، فقد تأسس البنك عام 2015 كمؤسسة مالية متعددة الأطراف، تهدف إلى تعبئة الموارد لتمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في دول بريكس والدول النامية الأخرى.
بريكس وتحدي الهيمنة
تتصاعد المناقشات داخل بريكس حول إنشاء عملة موحدة بديلة للدولار، وهي خطوة جذرية قد تهدد النظام الاقتصادي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
وتثير هذه التحركات قلق الغرب بشأن التداعيات المحتملة على الأسواق المالية العالمية، حيث يمكن أن تؤدي إلى إضعاف دور الدولار كعملة احتياطية عالمية. ووفقًا لمقال في موقع “إنفيستنغ نيوز نيتوورك”، فإن “إنشاء عملة احتياطية جديدة لدول بريكس قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على الدولار، وذلك ينعكس على الاقتصادات العالمية بشكل مباشر”.

البرازيل تدين انتقادات ترامب لـ “بريكس”
من جانبه أعرب الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، عن رفضه للانتقادات الموجهة إلى مجموعة “بريكس”، مستنكرا اقتراح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على دول المجموعة.
وقال دا سيلفا خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بثته الحكومة البرازيلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي: “لا نقبل أي ادعاءات ضد مجموعة “بريكس”، ولا نوافق على تلميح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى إمكانية فرض رسوم جمركية على “بريكس”.
وأوضح أن مجموعة “بريكس” توحد الدول الساعية إلى السلام والتنمية والتغلب على عدم المساواة، مضيفا: “لا نريد حروبا، ولا نريد مواجهات نريد أن تتمكن بلداننا من التطور”.
بوتين يدعو إلى التوسع في العملات الوطنية
من جهته دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في كلمة عبر تقنية الفيديو خلال القمة، إلى التوسع في استخدام العملات الوطنية بين دول “بريكس”، مع تمهيد إطلاق نظام مدفوعات مشترك يُعرف بـ “”BRICSPAY دون السعي لاستبدال الدولار بالكامل. وأكد بوتين أن مجموعة “بريكس” تتفوق بشكل كبير على تكتلات أخرى مثل مجموعة السبع من حيث معدلات القوة الشرائية، إذ تُشكل دول المجموعة نحو 40 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأسعار تعادل القوة الشرائية (PPP) في عام 2024، ومن المتوقع ارتفاعها إلى 41 % في عام 2025. وقال الرئيس الروسي، في قمة لقادة مجموعة بريكس، إن النموذج الليبرالي للعولمة عفى عليه الزمن، وإن المستقبل سيكون للأسواق الناشئة سريعة النمو، التي ينبغي أن تعمل على زيادة استخدام عملاتها الوطنية في التجارة.