مقالات الرأي

عبقرية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا

بقلم/ عبدالسلام محمد إسماعيل

قررت الأمم المتحدة أن ليبيا في حاجة ماسة إلى إنشاء بعثة للدعم، وذلك عقب تدخلها العسكري في ليبيا وإسقاط النظام، حتى يتمكن الليبيون من بناء نظامهم الجديد، وبموافقة مجلس الأمن أنشئت (بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا)(UNSMIL)، وبمجرد أن باشرت البعثة عملها، قدمت وصفتها الجاهزة مسبقًا لعلاج الحالة الليبية، تمثلت هذه الوصفة في فرض مرحلة انتقالية تديرها حكومة غير منتخبة من الشعب الليبي أو ممثليه المنتخبين، غير أن المحبط في الأمر أن المراحل تعاقبت وامتدت إلى ما يناهز الخمسة عشر عامًا، ابتداءً من المجلس الانتقالي مرورًا بحكومة الصخيرات وصولًا إلى حكومة جنيف، منها من عاش وعمَّر طويلًا، كما هو الحال بالنسبة إلى حكومة السراج أو حكومة الدبيبة، ومنها من مات جنينًا أثناء مخاض الولادة، كما هو الحال بالنسبة إلى حكومة باشا آغا، حيث تعددت أسماء وصفات الحكومات واختلفت من حيث شخوصها،لكن طبيعتها كانت واحدة وأهدافها متكررة كذلك، حيث الهدف الأساسي تهيئة الظروف المناسبة وصولًا إلى إجراء انتخابات عامة تفضي إلى حكومة مستقرة تَعبُر بالوطن إلى بر الأمان وتخرجه من دوامة الصراع المميت على السلطة والغنيمة، وصولًا بالمواطن إلى حياة لائقة وكريمة.

فكرة المرحلة الانتقالية لم تكن ليبية، ولم تنطلق من معطيات وطنية ذاتية، بل نتاج عبقرية بعثة الأمم المتحدة، فشلت وصفة البعثة مرة تلو الأخرى، لكن الوصفة لم تتغير، الأمر الذي يعبِّر عن جمود فكري وقصور في رؤية البعثة من ناحية ومن ناحية أخرى تمثل استخفافا برغبات وتطلعات الشعب الليبي في الاستقرار وبناء دولته الوطنية المستقلة.

بعيدًا عن نظرية المؤامرة فإن تمسُّك البعثة بفكرة المرحلة الانتقالية والحكومة المؤقتة مرارًا وتكرارًا يحيلنا إلى حقيقة أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لم ترغب يومًا في مساعدة الشعب الليبي على حل مشاكله، وإنما هدفها الذي تحقق فعلًا تمثل في خلق حالة سياسية وأمنية رخوة في البلاد والعمل على استمرارها أطول فترة زمنية ممكنة، حيث يقتصر دورها على إدارة الأزمة دون المساعدة في حلها،وتركت البلاد تدار بحكومات متعاقبة لا تستند إلى أسس قانونية أو دستورية ولا ظهير شعبي يدعمها، بل تستند فقط إلى توافق عشرات من الأشخاص يتمتعون بحظوة لدى بعثة الدعم وربما مصالح مشتركة مع صغار موظفيها، حيث يمكن أن يتم التأثير بسهولة على هؤلاء العشرات من الأشخاص وربما حتى شرائهم كما يشاع من عمليات مساومة ورشوة في انتخابات جنيف، الأمر الذي يحيلنا إلى حقيقة أن ليبيا تعيش بالفعل ما أطلق عليه بعض الساسة والمحللين الغربيين (فكرة الفوضى الخلاقة) للوصول بالمجتمع العربي والإسلامي الليبي محل التجربة للقبول بالنموذج الغربي للحياة والحكم.

أوجدت فكرة المراحل الانتقالية المتعاقبة، حكومات دكتاتورية لا يحكمها قانون أو دستور، وإنما فقط إعلان إنشائها الذي أصبغت عليه الصبغة الدستورية ودون وجود حدود لصلاحياتها أو حدود لعمرها الزمني مما شكل منها وحشًا مسنودًا بإمكانيات مالية هائلة يتصرف فيها بعقلية (ميار ويكيل لروحه) ومدعومة بميليشيات تقتات وتتغول على الشعب بالمال الحكومي الذي أصبح غنيمة حكومية وميليشياوية وأصبحت هذه الميليشيات أداة مسلطة على الشعب بيد الحكومة، فيما أصبحت الحكومة لعبة في يد صغار موظفي البعثة وبعض سفراء وقناصل الدول الكبرى.

من غير المقبول اليوم وبعد خمسة عشر عامًا أن تتكرر المراحل الانتقالية من جديد، وإن حاولت البعثة فرض تكرار هذا الأمر، فما على الشعب الليبي إلا النزول للشارع في كل ربوع ليبيا والتعبير عن رفضه لمشروع الفوضى الخلاقة وفرض إرادته بالقوة.

زر الذهاب إلى الأعلى