رسالة من فزان إلى الوطن الليبي

بقلم/ محمود امجبر
في عمق الصحراء، حيث تنام رمال فزان تحت ضوء النجوم وتهمس الرياح بحكايات الزمن، ينطلق صوت الجنوب، لا يشكو ولا يصرخ، بل يطالب بحق أصيل: الكرامة والعدالة. نحن أبناء فزان، لسنا طلاب امتيازات، بل حماة الوحدة الليبية التي لا تقوم إلا على الإنصاف.
لطالما عشنا في هامش المعادلة، بينما اختزلت السلطة والثروة في جهة واحدة. كلما رفعنا نداءً من أجل التنمية، أو طالبنا بإدارة محلية، أو دعونا إلى إنصاف منطقتنا، وُصِمنا بالتهم الجاهزة: انفصال وخيانة. لكن الحقيقة أبسط وأصدق: الإنصاف ليس تقسيمًا، بل هو أساس الاتحاد. من يُقصى لا يستطيع أن يحب وطنًا يرفضه، ومن يُهمش لا يستطيع أن يشعر بالانتماء.
لا نطالب بالانفصال، بل نؤمن بعدالة جغرافية شاملة. نريد ليبيا التي لا تكتمل إلا بجنوبها، وطنًا تتوزع فيه الثروات بعدل، وتُعامل فيه كل منطقة كأصل من أصول الوطن. نريد أن نكون شركاء في البناء، لا مجرد متفرجين من خلف الستار.
فزان ليست ندًّا لليبيا، بل هي لُبٌ من لبناتها. نحن نحمل مشعل الوحدة، ونؤمن أن بناء الجنوب هو بناء للوطن. لكننا لا نستطيع أن نغني للنسيج الوطني فيما تُسلب منا الحقوق، وتُجرد كرامتنا من الاعتراف.
في هذا الزمن الصعب، وفي ظل تحديات ديموغرافية وسياسية تحيط بليبيا من كل صوب، تبرز ضرورة حماية الهوية الجغرافية والمجتمعية لفزان. علينا أن نحصّن مدننا وقرانا بالوعي الثقافي، ونصون موروثها التاريخي من الاندثار.
يستحق المواطن الفزاني حياة تليق بكرامته، لا انتظارًا في طابور التهميش، بل عبر فرص اقتصادية اجتماعية تعزز شعوره بالانتماء، وتمنحه دورًا في صياغة مستقبل البلاد.
فزان ليست مجرد مساحة على الخريطة، بل روحًا نابضة في الجسد الليبي، ودورها في بناء ليبيا لا يقل عن أي منطقة أخرى. آن الأوان لنتحرك معًا نحو وطن متصالح مع نفسه، موحد في تطلعاته، ومزدهر بعدله.
إننا نؤمن أن الاستقرار في فزان هو استقرار في ليبيا كلها. فحين تُخترق حدودنا الجنوبية من دول الجوار، لا يُهدد الجنوب وحده، بل يُفتح الباب لتجار الجريمة والمخدرات وفساد القيم، بما يهدد الأمن القومي برمّته. فزان ليست السد الأخير، لكنها بداية الحل.
فلتكن هذه الرسالة دعوة صادقة من عمق الجنوب إلى قلب الوطن: لنبنِ ليبيا العادلة، التي لا تترك أحدًا خلفها.