حسم الإرهابية وجولانينا.. والحرب الوجودية

بقلم/ محمد جبريل العرفي
الحروب منذ خطيئتي العرب 1979 ضد إيران والاتحاد السوفيتي، إلى الآن حروب وجودية بين أمريكا والكيان من جهة، وبين أعدائهم من العرب ودول الشرق، لتدمير أي قوة صاعدة قد تشكل خطرًا مستقبليًا، كتدميرهم للعراق وليبيا وسوريا، والسودان واليمن، ومحاولات تدمير لبنان ومصر وإيران وباكستان، ومحاولات إفناء الفلسطينيين وتهجير من يتبقى منهم.
المستهدفان الآن النظام الإيراني والمصري، لإلحاقهما بمصير نظام سوريا المقاوم، بتنصيب عميل فرّط في السيادة وعرّض سوريا للتفتيت.
جرت محاولة لقلب النظام الإيراني، أو وقف برنامجه النووي وإنتاج الصواريخ، لكن إيران امتصت الصدمة، بل ردت بقوة مسببة تهديدًا لوجود الكيان، فاستنجد بأمريكا لوقف الحرب، والتي أدركت – بعد ضربة قاعدة العديد – أن الكرامة الإيرانية لا تُهان، وأنه لم تعد للمعتدين أهداف قابلة للتحقيق بالحرب.
الآن مرحلة هدنة، فالحرب ضد إيران ستنشب من جديد إلى أن تنتهي، إما بزوال الكيان، أو قلب نظام إيران، أو تدجينه؛ أي إجباره على تخليه عن دعم المقاومة.
القوة الأخرى التي تواجه المشروع (الصهيوأمريكي) بالمنطقة هي النظام الوطني المصري، ولهذا يجري توظيف تنظيمات إرهابية كمنظمة حسم الإرهابية (حركة سواعد مصر) التي أنشئت عام 2016 كامتداد للتنظيم الخاص للإخوان، واقترفت عمليات إرهابية داخل مصر ضد أجهزة الأمن وشخصيات عامة ومراكز خدمية كمعهد الأورام، لكن يقظة الأمن المصري قبضت على معظم قادة التنظيم، كالإرهابي عبد الرحمن البدوي، قُبض عليه من الجو 2021 قادمًا من السودان إلى تركيا.
الأسبوع الماضي بث التنظيم الإرهابي شريطًا مرئيًا يوثق تدريبات بموقع يُعتقد أنه بليبيا أو سوريا، يهددون فيه بتنفيذ عمليات واقتحام السجون المصرية، في رسالة (نحن هنا) بعد توقف عملياتهم منذ 2020. هذا الظهور في هذا التوقيت صناعة (صهيوأمريكية) لزعزعة استقرار مصر، ولإرهاق الجيش المصري والأجهزة الأمنية، في محاولة لاستنساخ تجربة سوريا، لإسقاط النظام بأسلوب (بابل) للحرب من الأبواب الخلفية، أو لإجباره على قبول تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. تتناغم هذه المنظمة مع إرهابية أخرى على حدود سيناء تسمى (منظمة أبو الشباب)، ولا نستبعد أن حرائق القاهرة مدبرة. جماعة الإخوان لم يعد لها وجود بمصر أو تونس، بينما في غرب ليبيا تملك السلطة والثروة والسلاح، بقيادة المفتن وبقايا أتباع بن لادن وخاصة المقاتلة، يدعمون التنظيمات الإرهابية المعادية للشعب المصري، ويستهدفون القوات المسلحة العربية الليبية، تلك الصخرة الصماء التي تحول بينهم وبين زرع شوكة في خاصرة مصر الغربية.
التنظيمات الإرهابية تتلقى تمويلًا ومأوى من الخارج، وللأسف هناك دول عربية ثرية تغذي الاقتتال العربي وتتحالف مع العدو، وهذا ما دفع الرئيس السيسي للتهديد باستهداف أي موقع بمصر أو خارجها يستخدم في تدريب أو دعم التنظيمات الإرهابية.
الحرب بغرب آسيا لتحقيق هدف أمريكا في تطويق الصين، العدو الصاعد في مواجهة القطب الأمريكي. الصين تشكل خطرًا وجوديًا على الهيمنة الأمريكية التجارية، بينما التهديد الروسي يرونه أقل خطورة، لأنه موجه لأوروبا الغربية التي تسعى أمريكا للتخلي عنها، وإطلاق يد روسيا في أوروبا الشرقية.
قرار بريكس الأسبوع الماضي (باعتماد نظام تسوية متعدد العملات)، أو خطة (ريو) خطوة للتحرر من الدولار، الذي بنهايته ستنتهي هيمنة أمريكا، مثلما انتهت الهيمنة البريطانية بتهميش الإسترليني. تخلت كثير من الدول عن الدولار في تجارتها البينية، بما فيها اتفاقية (البترودولار) 1947 بين السعودية وأمريكا، وذلك نتيجة لعسكرة أمريكا للدولار واستخدامه كسلاح للعقوبات والمقاطعة ومصادرة الأرصدة.
العالم يشهد أفول نجم القطب الأمريكي، وسطوع نجم قطب الصين، عملية الإحلال في موقع القمة لا تتم عادة إلا بعد حرب، وهذا ما يسمى بفخ (ثيوسيديدس)، وهو مصطلح في العلاقات الدولية يصف الوضع الذي تقوم فيه القوة الصاعدة بتهديد هيمنة قوة بالقمة، ما يجعل الحرب بينهما أمرًا مرجحًا جدًا أو حتميًا. المصطلح يعود للمؤرخ (ثيوسيديدس 431- 404 ق.م) والصراع بين أثينا الصاعدة وإسبرطة القوة المهيمنة.
المصطلح أعاد إحياءه الأستاذ الأمريكي (غراهام أليسون) عام 2017 في كتابه (محكومون بالحرب: هل يمكن لأمريكا والصين أن تتجنبا فخ ثيوسيديدس؟) حلل فيه 16 حالة تاريخية مشابهة، فوجد أن 12 منها انتهت بحرب.
الخطر يداهم الأنظمة والشعوب الإسلامية والعربية، أعداؤنا معروفون وأهدافهم واضحة، فيجب ألا نضيع جهودنا، أو يسيطر على أفكارنا النقلات البينية للعدو، أو نستهين بالأحداث الصغيرة العابرة، فلنحسن اختيار الحلفاء والشركاء، وألا تنحرف بوصلتنا عن العدو الحقيقي.
لنضع في اعتبارنا حقيقة الاصطفاف مع أي مشروع سياسي يرتكز على أربعة أعمدة هي: بسط الأمن، وترسيخ العدالة الاجتماعية، والتحلي بالنزاهة، وصيانة الوطن. توفر هذه العناصر في أي مشروع يمتن الحاضنة الاجتماعية حوله، ويدفع للتضحية في سبيله، أما إذا شعر المواطن بأن أمنه مهدد في نفسه وماله وعرضه، وشعر بنشوء مجتمع طبقي يسحق الفئات الضعيفة ويدعم الاحتكار والاستغلال، وتتوقف فيه التنمية، ويصعب فيه إشباع الحاجات الأساسية، أو لاحظ مظاهر الثراء نتيجة لممارسات النهب واستغلال السلطة في الاستيلاء على الأموال العامة والخاصة، أو حدثت عملية تفريط في مقدرات الوطن بالتخلي عن أجزاء منه أو رهن ثرواته للأجنبي، فإن ذلك المشروع لن يجد له أنصارًا يضحون في سبيله، وحتى إن وجد طماعين أو متملقين أو مغيبين، فسينفرط عقدهم في أول مواجهة مع الطرف الآخر.