مقالات الرأي

بريكس وإعادة صياغة القواعد الدولية 

بقلم/ عبدالفتاح الشريف

عقدت مجموعات بريكس BRICS اجتماعها السنوي السابع عشر في العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو خلال 7-9 يوليو، وقد اتخذت عدة قرارات اقتصادية مهمة تعكس رغبة المجموعة في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجارة البينية لتحقيق التنمية المستدامة، وكان من أبرز هذه القرارات:

1 – إطلاق نظام الدفع الرقمي الموحد “BRICS Pay”.

وذلك بإطلاق النسخة التشغيلية من منصة الدفع الرقمية الموحدة بين دول المجموعة وتقليل الاعتماد على الأنظمة الغربية مثل (SWIFT) وتسهيل التجارة البينية باستخدام العملات المحلية، وتعزيز السيادة من خلال تصميم نظام المدفوعات ليكون متوافقًا مع الأنظمة المالية الوطنية المختلفة للدول الأعضاء.

2 – تعزيز التجارة بالعملات المحلية وتسريع عملية التخلص من الدولره De-dollarization وذلك بتفعيل وتوسيع الاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف لاستخدام العملات المحلية في التجارة والاستثمار. ودفع بنك BRICS للتنمية الجديد (NDB) لتقديم المزيد من القروض بعملات غير الدولار وتعزيز تبادل بيانات العملات بين البنوك المركزية لدول المجموعة.

 3- تكثيف التعاون الاستراتيجي في الأمن الغذائي والطاقة بإنشاء منصة BRICS للأمن الغذائي والتنسيق بين دول المجموعة في الإنتاج والتخزين والتوزيع، ومنع المضاربة في أسواق الغذاء العالمية من خلال (مبادرة الأمن الغذائي المشترك) حيث تم إنشاء صندوق طوارئ لاحتياطيات الحبوب (القمح، الأرز، الذرة) لمواجهة تقلبات الأسعار، كما تم الاتفاق على تعزيز التعاون الزراعي بين الأعضاء لتقليل الاعتماد على الاستيراد.

4- تفعيل مبادرة الطاقة النظيفة وتنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة المتجددة، حيث تم إنشاء صندوق بمبلغ 20 مليار دولار للاستثمار في مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر والطاقات النظيفة في إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية، كما تم التأكيد على أهمية نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى دول المجموعة الأقل تطورًا.

5- تعزيز التعاون التكنولوجي والرقمي وإطلاق منتدى BRICS للذكاء الاصطناعي لوضع معايير أخلاقية وتعزيز البحث العلمي المشترك. وبناء وتطوير البنية التحتية الرقمية المشتركة وتبادل البيانات (مع التركيز على الأمن السيبراني). ودعم وتطوير بدائل محلية لمنصات التواصل والتقنيات الحيوية.

6 – كما قررت القمة الأخيرة الموافقة على انضمام 10 أعضاء جدد كاملي العضوية اعتبارا من يناير 2026 (كولومبيا، تشيلي، نيجيريا، تايلاند، فيتنام، الكاميرون، باكستان، السنغال، كوبا، سريلانكا). وبذلك تتحول مجموعة بريكس BRICS إلى كتلة تمثل أكثر من 46 % من حجم الاقتصاد العالمي و45 % من سكان العالم وتهدف لحصة أكبر في الاقتصاد العالمي.

وسنتناول بالتفصيل في هذا المقام فرص نجاح نظام الدفع الرقمي الموحد (منصة بريكس باي Brice Pay) الذي يمتلك العديد من العوامل التي تعزز فرص نجاح هذا المشروع مثل:

1 – حجم السوق الذي يضم 25 دولة تمثل 45% من عدد سكان العالم و46% من حجم الاقتصاد العالمي، وتتمتع بعضوية اقتصادات كبرى مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل والسعودية وإندونيسيا التي توفر قاعدة مستخدمين فورية لمنصة بريكس باي.

2- كما يتمتع النظام بالدعم السياسي العالي من قادة الدول الأعضاء، خاصة مع تصاعد الرغبة في التخلص من هيمنة الدولار الأمريكي، حيث تدفع كل من الصين وروسيا والسعودية بقوة لتبني هذا النظام في صفقات الطاقة والتجارة الثنائية.

3 – تكامل هذا النظام مع بعض المبادرات الموجودة مثل الربط مع أنظمة دفع محلية ناجحة (اليوان الرقمي الصيني ونظام UPI الهندي ونظام M-Pesa الجنوب أفريقي وكذلك الدعم المتوقع من البنك الجديد NDB لتمويل البنية التحتية). 

كما يتوقع أن تساهم حاجة دول المجموعة للاستجابة الملحة تجنبا لمخاطر عقوبات دول المنظومة الغربية كما حدث لروسيا بعد غزو أوكرانيا أو حاجتها للاستجابة الملحة لمشكلة تحويل العملات كما حدث مع الأرجنتين وفنزويلا في تعزيز فرص نجاح نظام الدفع الرقمي الجديد.

ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلى التحديات الكبرى التي تواجه هذا النظام ويأتي في مقدمتها: 

1. التنافس مع أنظمة راسخة مثل السويفت (SWIFT) وأنظمة الدفع الغربية الأخرى التي تسيطر على أكثر من 80% من المعاملات العالمية ما يفاقم صعوبة إقناع الشركات متعددة الجنسيات بالتحول لنظام جديد.

2. التناقضات الداخلية والصراعات الجيوسياسية بين الأعضاء (مثل الهند- باكستان، السعودية- إيران). 

 وكذلك اختلاف السياسات النقدية داخل دول المجموعة وتباين هذه السياسات فيما يتعلق ب (أسعار الفائدة، وأسعار الصرف).

3. العوامل التقنية والأمنية تزيد من صعوبة توحيد أنظمة الدفع الإلكتروني المتناقضة في 25 دولة وكذلك احتمالات الاختراق الإلكتروني أو فشل النظام (خاصة مع دول ضعيفة البنية الرقمية مثل زيمبابوي أو كوبا).

4. ضغوط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لعرقلة النظام (مثل تهديدات بعقوبات ثانوية) وتشكيك مؤسسات مالية عالمية (صندوق النقد الدولي) في فاعليته.

 أي أن شروط النجاح الحاسمة تتمثل في توحيد المعايير التقنية بتطوير بروتوكولات مشتركة للأمان والاتصال. ومنح بعض الحوافز الاقتصادية بتخفيض تكاليف المعاملات مقارنة بـ SWIFT. وتشجيع القطاع الخاص (البنوك، الشركات) على استخدام نظام بريكس باي وتجنب تحويل النظام لساحة صراع بين الأعضاء.

وبذلك يمكن أن يصبح بريس باي مشروعًا عمليًّا مدعومًا بإرادة سياسية واقتصادية غير مسبوقة، وليس خيالا أو مشروعا افتراضيا لأن النظام يتمتع بفرص النجاح في آسيا وإفريقيا حيث تزداد الحاجة لأدوات مالية بديلة. إلا أن التحدي الأكبر يكمن في تحويل النظام من أداة سياسية إلى نظام فعّال يثق به المستخدمون والشركات، وإذا تجاوز العقبات التقنية والسياسية، فقد يصبح أول منافس حقيقي لهيمنة الغرب المالية خلال عقد من الزمان.

يتبع في العدد القادم: هل تتمكن بريكس من التغلب على هيمنة الدولار وتقليص حجم التعامل بالدولار داخل دول المجموعة؟ 

زر الذهاب إلى الأعلى