الفرق بين التفسير القانوني بوصفه وظيفة والتفسير الملزم بوصفه سلطة

بقلم/ غادة الصيد
كثيرًا ما يتداول بين الممارسين في الحقل القانوني قولا مفاده أن (المستشار القانوني لا يملك تفسير النص، وأن ما يقدمه المستشار أمام النص المبهم لا يعدو كونه اجتهادًا شخصيًا لا يرتقي إلى التفسير). ويردف البعض أن التفسير لا يُعتد به ما لم يصدر عن الجهة المختصة بالتفسير الملزم. وهذا الرأي، وإن كان يحاول ضبط الحدود بين السلطات، إلا أنه ينطوي على تبسيطٍ مُخِلٍّ لمفهوم التفسير القانوني، وإغفالٍ لطبيعة الدور الذي يمارسه المستشار القانوني في مواجهة غموض النصوص وتحديات التطبيق العملي.
فالمستشار القانوني لا يتعدى على سلطة المشرّع، ولا يدّعي لنفسه قوة الإلزام، ولكنه يمارس وظيفة تفسيرية يومية بحكم موقعه، يُبيِّن من خلالها المقصود من النص ويقترح وجه التطبيق السليم، مستندًا إلى أدوات التأويل وأصول الفهم القانونية.
وعلى الرغم من أن تفسير المستشار القانوني غير ملزم، إلا أن غياب الإلزام لا يعني غياب الفهم القانوني الرصين؛ فليس كل تفسيرٍ ملزم، لكن كل تفسيرٍ مهنيٍّ رصين هو منهج قانوني يُحترم، ويحوز قوة الاحترام الوظيفي والمؤسسي، ويُعامل في الغالب كمرجعية قانونية داخل الإدارة، وقد يُحاجَج به أمام جهات التفتيش أو الرقابة، بل وأمام القضاء في بعض الحالات.
فالتفسير ليس فعلًا واحدًا يمارسه المشرّع أو القاضي فقط، بل هو وظيفة موزعة بين فاعلي النظام القانوني، كلٌّ بحسب مقامه. وعليه، فإن المستشار القانوني لا يصوغ قوانين، ولا يشرّع أحكامًا، لكنه يمارس عملًا لا يقل أهمية: تفسير النصوص الغامضة وتوجيه سُبل تطبيقها. واجتهاده، وإن لم يكن ملزمًا، يُعد صمّام أمان إداريًّا وقانونيًّا، يُحترم بقدر ما يُحسن ربطه بين النص والواقع.
ومن ثم، فإن التقليل من دور المستشار القانوني في تفسير النصوص هو إنكارٌ لدوره الحيوي في المنظومة القانونية، وتقزيمٌ لمهنةٍ جوهرها الاجتهاد الرصين، لا النقل المجرّد.