قيادة إلى عالم جديد!!

بقلم/ سالم أبو خزام
هذا الوطن الليبي العظيم اجتاحته عناصر مغشوشة من الداخل والخارج، وبكل أسف توغلت إلى جميع مؤسساته، واستطاعت الوصول إلى أعماق الدولة الليبية، وأدركت أدق المفاصل الهامة، التي تساعد بشكل سريع على نخر الدولة وإسقاطها والقضاء عليها، سقوط الدولة بالكامل هو ما خسره الشعب الليبي، وتلك كانت أصعب وأخطر من سقوط النظام!!
إن سقوط النظام هو ما يمكن تجاوزه بطريقة أسرع، حيث تتم الإصلاحات المطلوبة التي تحمل رؤية وبرامج قادة التغيير، وفي ذلك يمكن إحداث نقاشات واسعة تتسم بالبطء وعدم التسرع، ما يجعل شعبنا يحافظ على منجزات لا حصر لها ويعيد بناءها، عوض عن تدميرها بشكل شامل يدعو إلى سخرية الآخرين!!
فإصلاح الأخطاء وتصويبها أمر يحترم، وربما يدل على صدق النوايا في سلامة التغيير، في ظني أن الثورة هي التغيير نحو الأفضل، ليشمل الحاضر والمستقبل، وفي وقت محدد أشبه بالقياسي، كما أنها تحطيم للقواعد الظالمة من رشوة ووساطة ومحسوبية، وإعادة بناء قواعد سليمة أساسها الحرية والعدالة والمساواة، وهذا ما لم نشاهده ونلمسه أبدا ونهائيا!! بل شاهدنا وعايشنا استحضارا لكل هذه الصفات المنبوذة أصلا!!
في جانب هذه الفكرة تسلل إلى بطن ليبيا وأحشائها تلك العناصر المتعطشة لتمزيق الوطن، وهنا أقصد العناصر القادمة من الخارج تحت ستار الثقافة المسمومة التي تعرف تماما أسس التدمير والشد للوراء، جاء هؤلاء مشحونين ضد ليبيا ويدَّعون الحرص عليها، إلا أن الحقيقة هي إسقاط الدولة الليبية مثل جاموسة ممتلئة لتنهشها زمرة متوحشة ومفترسة من الضباع الجائعة وتقضي عليها في أسرع الأوقات.
تلك الضباع سخرت معها واستغلت مجموعات كثيرة من الشباب المندفع الذي لا يعرف طرق الإصلاح وإعادة الإعمار وأساليب تضميد الجراح، فاندفع بغير هدى لتدمير كل الدولة، مستخدما السلاح وبمساعدة غاشمة من الخارج، في غفلة وتحت جنح الظلام بدعوة عدم الفصل بين سقوط النظام أم إسقاط الدولة، حتى وصل الأمر إلى القضاء المبرم على قواتنا المسلحة العربية الليبية ومطاردة رجالها في آخر الخنادق بعد بعثرة السلاح، كل الأسلحة بما فيها من طائرات ومدافع وصواريخ وراجمات، حتى بات الأطفال يقودون الدبابات بالطرقات وتحت نوافذ البيوت ومن أمام أبوابها!! فكان مهمًّا تدمير (الجيش) حامي الحمى والشاهد على الهيبة والدفاع عن الحدود والموارد الاقتصادية لليبيا كلها.
بإيجاز كان مخططا خارجيا استهدف كل بلادي ليبيا، فقط علينا استثناء شبابنا المندفع بحماس دون تأن وربما أثارته بعض الأخطاء فاندفع بذات الحماس للقضاء على كل شيء، وكانت عناصر الشر المدعومة من خارج الوطن تتصرف مع خصوم استراتيجيين لسحل الوطن كله وإرباك حساباته، وخرجت عن (السكة) لتعيث فيه فسادا طال عمومه، وأفقد مناصريه حتى صوابهم، حيث كان بالإمكان تصحيح وتعديل قضايا كثيرة بزخم شعبي أكبر مما كان.
أخطاء كارثية كبيرة زادت النيران اشتعالا منها لا للحصر قانون العزل السياسي!! ثم انتشر الفساد المعزز بالهجمة الشرسة بتشجيع الانحرافات الخطيرة من دول أجنبية خطيرة استلمت المشهد وقادته بهذا النحو.
دول عظمى تتولى التخطيط والبرمجة الدقيقة والتحكم في دفة الأمور السياسية على نطاق واسع، دول إقليمية تتولى الإفساد والإدارة بخيوط غير مباشرة وبالوكالة، دول عربية غنية تتولى تحريك الأموال ودفع المزيد منها بقصد، وهي غير محاسبة أمام وفي وسط شعوبها، على أن تنال حصتها من أسقاط ليبيا لاحقا، ونحن أبناء ليبيا الشجعان كان لنا دور واحد هو الإفساد والنهب لبلادنا وتدميرها تحت شعارات كثيرة وبسرعة فائقة، مصحوبين بسموم الإعلام وتأجيج الرأي العام تحقيقا لشعارات فضفاضة أولها حماية المدنيين، والديموقراطية ثم الحرية التي تحولت إلى فوضى عارمة، قتلت وهجرت وأعدمت، وسحلت وارتوت من الدماء بفعل الظلاميين الذين اختلطوا مع شعبنا وقدموا، خلطة مسمومة، يفقد حياته فورا كل من يتعاطى معها!!
كان المشهد الليبي متداخلا ومعقدا للغاية وتحولت الأوضاع إلى (طلاسم) يصعب تفكيكها وإعادة قراءتها، لكن في ظلال هذه الأحداث وإسقاطا على مدينة بنغازي التي أشيع بها الحرق والتدمير والتنكيل والقتل حتى سالت دماء بغزارة حتى فاضت شوارعها وأزقتها، ولم يجد سكان المدينة والشرق من بد حيث أزفت لحظات تاريخية تقود بجرأة عسكرية وبفهم دقيق لكل هذه الخيوط وإنهاء لهذا الهراء ووضع المخارج لبدء التصحيح والاتجاه نحو البوصلة الجديدة لإعلان (الكرامة) بأي ثمن.
الجميع اعتقد أن المهمة مستحيلة، لكنها نجحت أمام الإرادة والتصميم في إعادة انتشال الوطن العزيز والغالي وهو كل ليبيا.
فكانت البداية بالأبطال الجند المظفر يتقدمهم بشجاعة نادرة وبقوة وحماس وإقدام متفرد المشير خليفة حفتر، حيث حمل روحه فوق كفه مصمما على النصر أو الاستشهاد، فكتب الله له النصر المظفر لاستعادة كل ليبيا لشعبها.
جاء النصر بملحمة كبرى مليئة بالعرق والدموع والدم جاء بعد كفاح شاق ومرير. وباثمان غالية مرتفعة!!
حيث تحقق:
إعادة بناء القوات المسلحة العربية الليبية.
النجاح في تأمين حدودها وتحرير مساحات شاسعة من أراضيها.
النجاح في معركة تحرير النفط وأغلب مواردها الاقتصادية.
القضاء في معارك كبرى على الإرهاب وإنهاء القوى الظلامية والقتلة وتصفية أعداء الشعب وخصومه.
(متبقٍ) فقط تحرير سيادة ليبيا وكل كرامتها من دول أجنبية، وقوى التشكيلات المسلحة المتسترة تحت عناوين مختلفة وتمارس امتصاص خيرات شعبنا وتبتزه بطرق مختلفة تحت إطار من الشرعية.
هذه الإجراءات الشائنة هي ما جعلت جيشنا يتحرك في اتجاه العاصمة وبكل جحافله لافتكاك طرابلس وإعادتها إلى حضن الوطن مهما كانت الخسائر أمام الانقضاض، وفتح الطريق بكامله وانهار أمام الضربات الواثقة وبحاضنة شعبية عارمة، وبينما هو في مداخل طرابلس تدخلت القوى الإقليمية الدولية وبكل الوسائل وبمختلف صنوف الأسلحة مستخدمة الرادارات وأعمال التشويش وطيران البرقدار المسير، وتوافقه مع لحظات انسحاب كاملة بذريعة التوقف عن التنسيق المطلوب درءا لاشتباك القوى الدولية، مما حال دون التحرير.
إن توقف الأعمال العسكرية نهائيا وما نتج عنه من عودة لجيشنا أمام إرادة أقوى، كانت إرادة دولية واضحة، وفتحت أبواب العمل السياسي الشاق والعسير والمتشعب أيضا، حيث تبقت العاصمة طرابلس وكل المناطق الغربية من البلاد مرتبكة وبقيت مؤسساتها تعاني وتحت الإرهاب الدولي ويرضى أعداء الشعب ومصاصو الدماء بكل هذه الأوضاع المشينة، لتستلم القوى الدولية ويبرز دور البعثة الأممية في إدارة الصراع وتثبيته فقط! وتلوح في الأفق بجلاء مظاهر التقسيم وفي حدها الأدنى الفدرالية!تحولت كامل الأوضاع وفتحت المسارات السياسية وتجذرت بوادر انقسام الدولة، وذلك ما يتعارض وكل مبادئ القوات المسلحة العربية الليبية، التي في مقدمتها وحدة ليبيا، وإن أكثر ما وضع الأطراف الفاسدة في حرج بالغ هو شعار البناء والتنمية والإعمار وتغيير مساحات كبيرة من ليبيا بإصلاحات وتطور سريع بمبدأ يد تبني وأخرى تحمل السلاح، وفي هذه الأثناء وإذ أغلق تماما مسرح العمليات العسكرية، تبرز مساحات مضنية للحوارات السياسية صارت تضيق على الطرف الظالم بإنهاء وجوده سياسيا بطريقة الخطوة خطوة.
إن البداية والتغيير في إعادة التقييم تبدأ من تفحص ورؤية الموقف التركي المتداخل مع قضايا دولية كثيرة!! وإنني أرى زيارة الفريق ركن صدام حفتر إلى الجانب التركي أخيرا تشكل أوسع الأبواب لحلول سلمية مناسبة تحفظ لكل الأطراف مصالحها وترحب بالتعاون البناء، هذه الخطوات وفتح ملفاتها تعني تحقق نصر بلا حرب وإعادة شراء ليبيا والحفاظ على أولادها والاكتفاء بما حدث واعتباره معارك ليست واجبة!!
إن النظرة الثاقبة تعني إعادة التقييم والمراجعة وإدخال عناصر جديدة تدرك وتفهم كل معاني تغيير الأوضاع العالمية واستغلال ذلك نحو تفاهمات جديدة في ظل القدوم الجديد للرئيس دونالد ترامب، وانتصار فلاديمير بوتن في حربه بأوكرانيا، هذه الأوضاع ستعيد ترتيب كل الأوراق وإعادة ترتيب عالم اليوم كاملا بما فيه أوروبا المنهكة والصين التي تربعت صعودا، ولابد من القراءة الجيدة بدقة متناهية لنعرف موقعنا الرائع في الشاهد والسبحة حيث نمتلك فيها (حبة واحدة) متماسكة نعرف قيادتها نحو عالم جديد!!