صوت العقل في زمن الضجيج

بقلم/ المهدي الفهري
بين واجب التنوير ومسؤولية التغيير يظل الكاتب محكومًا بالأمل ومتعلقًا بالحلم ومتمسكًا بالحقيقة، فهو لسان الواقع وبيانه ولغته التي يبادر بها لكشف الأخطاء والتنبيه إليها من خلال عناوين رمزية وأدبية تكرس ثقافة استنهاض الأمة ومخاطبة الرأي العام عبر حاضنة ثقافية تعزز التواصل وتدعو إلى الإصلاح والمساهمة في رتق النسيج الاجتماعي الممزق وإعادة بعث الحياة في شرايين المجتمع وتوضيح الفكرة وإتاحة الفرصة للفهم الشامل للأشياء، فلم يُعد الكاتب مجرد ناقل للواقع ومفسر له، بل اصبح جزءًا منه وصار ضميرًا حيًّا ومسؤولًا فاعلًا في توجيه بوصلة المجتمع نحو كلمة تُصلح وفكر يبدع ودعوة للتأمل في دور المثقف الواعي وتقع على عاتقه مسؤوليته الكلمة الصادقة والرؤية الواعية وبسط ومضاته على طريق اليقظة والنهوض.
وفي خضم ما يشهده العالم من تحولات سريعة وتناقضات على المستويات الفكرية والاجتماعية والإعلامية ومعالجة الأزمات بعقلية تاجر البندقية كما يحصل اليوم تتعاظم الحاجة لصوت العقل والحكمة والوعي ونبذ اللغة الإقصائية من خلال جبهة ثقافية موحدة للتصدي للحرب الشرسة التي يشنها الإعلام وتتبناها وسائل التواصل الاجتماعي وما يرافقها من سخط وإحباط وتشكيك في كل شيء لزرع ثقافة الاكتئاب والفشل والقنوط، فحياتنا من بنات أفكارنا، وقرارنا يجب أن يكون بأيدينا، وأن نثبت للآخرين أننا بشر واعون ولسنا مخلوقات بدائية كما يروج لذلك البعض، وعلينا أن نُعد أنفسنا الإعداد الأمثل، وأن نبدأ بصقل عقولنا، فالعقل حصن النجاة، وتقوية العقل تتجسد في تقوية الفكرة والمعرفة وإحياء الذاكرة والسير بها وفق مسار الحياة بثقة وفاعلية لمواجهة التحديات القادمة والتقليل من فرص الانحراف والانجراف والسقوط في القاع والتعويل على دعم الجيل الجديد وتخليصه من التجاذبات المحبطة ودفعه نحو وعي جديد ومسار مختلف لتغيير الواقع الأليم الذي نعيشه ويطمح في تغييره الجميع، مع الحرص على سلامة الخطاب الثقافي والإعلامي وتطويره بلغة العصر بما يخدم هذه الشريحة ويمنحها الأمل في صياغة مستقبل أكثر نضجًا وعدلًا وإنسانية ونشر الثقافة التي ترفع من روح التفاؤل والإبداع، والمشاركة فيما هو قادم وآت لبلورة الحس الوطني وبناء جيل الإرادة والريادة، جيل يمتلك أدوات الفهم العميق، جيل متسلح بالعلم والمعرفة ومتمسك بهويته وانتمائه ومالك لقراره، لا يقبل الضيم ولا ينام على الظلم ولا يعمل في الظلام، بل يضاهي أقرانه في العالم ويتفوق عليهم، فالعقول واحدة والتميز يكمن في القدرة على التفكير وإعادة التفكير واكتشاف قوانين البقاء وتوظيفها توظيفًا صحيحًا حسب متطلبات العصر ومقتضيات الزمان والمكان.