التحول الصحي ضرورة

بقلم/ علي المبروك أبوقرين
الأمراض غير المعدية مسؤولة عن أكثر من 75% من الوفيات في العالم، والنسبة الأعلى في الوفيات المبكرة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وتكاليف علاجها باهظة، وتستنزف ميزانيات الصحة، ومعظمها بالإمكان الوقاية منها وتجنبها، أو التخفيف من مضاعفاتها، إذا تم التعامل معها مبكرًا، والعائد الاقتصادي من كل دولار يستثمر في التدخلات المبكرة والفعالة يحقق ما يساوي أو أكثر من 7 دولارات، مع توفير يفوق 350 مليار دولار سنويًّا عالميًّا، والتقارير الدولية توضح أن الأمراض غير المعدية تكلف الاقتصاد العالمي أكثر من 30 تريليون دولار خلال الفترة من 2011 إلى 2030.
ولهذا وللأعباء الصحية والاقتصادية والاجتماعية المتزايدة من الأمراض غير المعدية ومنها: أمراض القلب، السرطان، الأمراض التنفسية المزمنة، والسكري وغيرها، أصبح التحول الصحي خيارًا سياسيًّا وحتميًّا وجوهريًّا في تعزيز الصحة العامة وتحسينها، وتبني نهج الصحة في جميع السياسات الحكومية، وتضمين الاعتبارات الصحية في كل القطاعات، والعمل على توفير مدن صحية حديثة متكاملة يتوفر بها المتنزهات، ومسارات مخصصة للمشي والدرجات الهوائية، والأندية الرياضية والمساحات الخضراء، واعتماد حملات التوعية الصحية المجتمعية المستمرة حول أنماط الحياة الصحية، والغذاء الصحي وممارسة النشاط البدني، والإقلاع عن التدخين، والتوقف التام عن الكحول والمخدرات التي للأسف يتزايد انتشارها، وضرورة التوسع في برامج الكشف المبكر، والفحوصات الدورية لمرضى السكري وضغط الدم، سرطان الثدي، وسرطان القولون والبروستات، والإسراع إلى رقمنة القطاع الصحي، وإنشاء سجل وطني للكشف المبكر وربطه بالملف الصحي الإلكتروني، وضمان الوصول المبكر إلى العلاج اللازم وإتاحته مجانًا لجميع الناس وخصوصًا للفئات الأكثر عرضة، وتوفير الأدوية الموثوقة الناجعة مع المتابعة المنتظمة في مراكز الرعاية الصحية الأولية، أو مراكز الصحة الواحدة، أو عن طريق المتابعة عن بعد إلكترونيًّا وباستخدام التقنيات المصاحبة، وهذا يتطلب دعم وتمكين تلك المراكز والخدمات، وتطوير قدراتها لوجستيًّا وتقنيًّا وتكنولوجيًّا.
الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الصحية الرقمية، والتجهيزات المحمولة، وتدريب طواقمها الطبية بمختلف مهنهم وتخصصاتهم، هو البوابة الأولي والأقرب والأسرع للمواطنين، ولهذا على الجهات المسؤولة والمنوطة بصناعة القرار أن يكون لديها الإرادة السياسية الواضحة والتوجه الاستراتيجي طويل الأمد، لإعادة بناء النظام الصحي الموحد القوي والفعال، والاهتمام بالخدمات الصحية الاستباقية والتنبؤية والوقائية والرعاية الصحية الأولية والصحة الواحدة، وإعادة توزيع الموارد نحو الوقاية وليس فقط للعلاج، وإصدار تشريعات وقوانين وإجراءات داعمة ومنها التشريعات البيئية، وفرض الضرائب العالية على المنتجات الضارة، وتنظيم ومراقبة الإعلانات الغذائية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتخليص البلاد من المخدرات والكحول.
إن الوقاية، والكشف المبكر، والعلاج في الوقت المناسب بالوسائل الحديثة ودون تأخير، ليس مجرد خيار صحي، بل استثمارًا سياسيًّا وإنسانيًّا وتنمويًّا مستدامًا، يتطلب من الدولة والمجتمع الالتزام والإلزام من قمة الهرم الى أصغر وأبعد نقطة خدمية صحية، إن الأمراض غير المعدية بالإمكان تنجب أكثر من 70% منها، وتحسين المؤشرات الصحية، وزيادة متوسط الأعمار، والتمتع بالصحة والعافية، والقدرات الإنتاجية وتحقيق الرفاه الاجتماعي.