مقالات الرأي

هل تصمد ليبيا في وجه الانهيار؟ ليبيا بين الموارد واللامسؤولية

بقلم/ عثمان الدعيكي

في ظل التدهور الجيوسياسي الإقليمي والتقلبات العنيفة في الاقتصاد العالمي، تبدو ليبيا أكثر هشاشة من أي وقت مضى. فهي دولة منهكة بالحروب والانقسامات، تدار مؤسساتها الاقتصادية غالبًا من قبل شخصيات تفتقد الكفاءة والخبرة وتدور حول أغلبهم شبهات فساد وولاءات لمجموعات مسلحة، مما زاد من ضعف الدولة وأعاق قدرتها على استغلال مواردها.

ورغم توحيد مصرف ليبيا المركزي رسميًا في أغسطس 2023، بعد أكثر من تسع سنوات من الانقسام، لم تظهر بعد نتائج ملموسة على الأداء الاقتصادي. فلا تزال السياسات النقدية والمالية تعاني التخبط والإنفاق غير المقنن، وسط غياب رؤية وطنية اقتصادية واضحة.
تُظهر بيانات صندوق النقد الدولي لعام 2024 أن معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي لم يتجاوز 2.5 %، رغم بلوغ متوسط إنتاج النفط 1.2 مليون برميل يوميًا، وإيرادات تقارب 31 مليار دولار. هذا الدخل لم يُترجم إلى تحسن في حياة المواطنين أو الخدمات العامة، بسبب ضعف الإدارة وسوء التوزيع وانعدام الشفافية.

بلغ الإنفاق الحكومي في 2024 نحو 97 مليار دينار ليبي، ذهب أكثر من 80 % منها إلى المرتبات والدعم، بينما لم يتجاوز الإنفاق التنموي 5%، وأشار ديوان المحاسبة إلى صرف أكثر من 12 مليار دينار تحت بند “مصروفات طارئة” دون مستندات واضحة، مع رصد مخالفات جسيمة في أكثر من 47 جهة عامة، كثير منها ارتبط بتعاقدات وهمية.

هذا النزيف المالي ترجم نفسه إلى ارتفاع حاد في الأسعار، حيث وصل معدل التضخم إلى 16% نهاية 2024، فيما فقد الدينار الليبي 35 % من قوته الشرائية منذ 2021، وتعاني السيولة من اختناقات حادة، إذ لا يرال ما يزيد على 40 % من الأموال خارج الجهاز المصرفي، ما يعكس ضعف ثقة المواطنين في هذا القطاع.

وتفاقمت أزمة البطالة، إذ تجاوزت 20 % رسميًا، وتصل بين الشباب إلى نحو 50 %، وفق دراسة المنتدى الاقتصادي الليبي، ويتزامن ذلك مع غياب سياسات تنموية تقلص الفجوة بين التعليم وسوق العمل، في وقت يهيمن فيه الاقتصاد الموازي على أكثر من 60 % من الناتج المحلي، عبر أنشطة مشبوهة كتهريب الوقود، والاتجار بالعملة، وتجارة السلاح.

ويُلاحظ استمرار التعيين في المناصب الاقتصادية على أسس جهوية أو ميليشياوية، بعيدًا عن الكفاءة، بينما تُمنح المخصصات لمتنفذين من أمراء الحرب أو رجال الأعمال المحسوبين على جماعات ضغط، بدلًا من توجيهها لمشاريع تنموية حقيقية.

ويحذر خبراء اقتصاديون من خطر “الانهيار البطيء”، نتيجة استنزاف الاحتياطي النقدي البالغ 80 مليار دولار، في غياب خطة تضمن استدامته. ويزيد الأمر سوءًا الاعتماد الكلي على النفط، دون تنويع للموارد أو استثمار في قطاعات أخرى كالزراعة أو السياحة.

ليبيا ليست دولة فقيرة، لكنها تعاني إدارة سيئة وغياب التخطيط، في ظل تغوّل المجموعات المسلحة على القرارين السياسي والاقتصادي. وإذا لم تُفعل آليات مكافحة الفساد، وتُضبط أوجه الإنفاق العام، وتُعزَّز الشفافية، فإن البلاد تتجه نحو أزمة مالية حادة، حتى مع استمرار أسعار النفط في مستوياتها المرتفعة.
الإصلاح الحقيقي يتطلب إرادة سياسية موحدة، وبناء الثقة بين المواطن والدولة، وتوجيه الموارد نحو الإنتاج، ووضع حد لازدواجية القرار، وبدون ذلك، ستظل الدولة رهينة للفوضى، وسيدفع المواطن الثمن، بينما تستفيد قلة متنفذة من استمرار هذا الواقع المختل.

زر الذهاب إلى الأعلى