نظام عالمي أكثر عدلًا

بقلم/ ناجي إبراهيم
القوة تحمي الحقوق وتردع العدوان، أما القوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني فيستخدمه الأقوياء لتبرير عدوانهم وجرائمهم ضد الإنسانية والتغطية عليها، والأمم المتحدة تحولت إلى مطية يركبها الأقوياء.
كان لابد أن تندلع الحرب بين إيران والكيان الصهيوني وقبلها كان لابد أن يحدث طوفان الأقصى ليعلم المطبعون والمهرولون للانخراط فيما سمي السلام الإبراهيمي والذين يملؤون الفضائيات بلغط وضجيج ومفردات لُقِّنوا بها عن توازن الخوف وغياب الردع والتفوق وقدرات العدو على إحداث الألم بالآخرين دون أن يمتد إليه الوجع لامتلاكه المقدرة على إحراق الآخرين دون أن تصل إليه النيران لتلحق به الأذى والقدرة على تدمير عواصمنا دون أن يطال الدمار مدنه وعاصمته، لكي يعلم هؤلاء جميعًا أن إسرائيل يمكن أن تُهزم وأمريكا يمكن أن تتراجع عن تهديداتها ومغامراتها إذا كانت خسائرها أكبر بكثير من مكاسبها.
طوفان الأقصى لم يتسبب في دمار غزة، بل كان ردًّا على واقع الاحتلال الذي دمر المدن الفلسطينية، وهجر الشعب الفلسطيني من مدنهم وقراهم، ومارس التوسع والاستيطان، ولم يتوقف يومًا عن انتهاك الحرمات والمقدسات والاجتياحات والقتل والاعتقالات التي بلغت الآلاف قبل طوفان الأقصى، وإذا جاز لنا أن نسمح بتجريم المقاومة الفلسطينية وتحميلها جرائم القتل والتجويع التي تعرض لها سكان غزة والضفة فبذلك نقدم تبريرًا لعمليات القتل التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد الفلسطينيين والتي لم تبدأ مع 7أكتوبر 2023 وعمرها يوازي عمر الاحتلال والتي انطلقت منذ أن أعلنت بريطانيا تحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود بدايات القرن العشرين ودشنتها الحركة الصهيونية وعصاباتها بمذابح دير ياسين وحرق القرى والمدن الفلسطينية وتهجير سكانها إلى داخل فلسطين وخارجها.
غالبية سكان الضفة وغزة مهجرون من قراهم في حيفا ويافا وعكا والجليل وباقي البلدات الفلسطينية، هذا من جانب ومن جانب آخر علينا تجريم مقاومة الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي التي قدم خلالها شعبنا في الجزائر مليونًا ونصف المليون شهيد ليجبر الاحتلال على الاعتراف بأن الجزائر عربية بعد أكثر من قرن وهي جزائر فرنسية رغم أن المستعمر الفرنسي كما هو اليوم المستعمر الصهيوني كان ينعت حركة تحرير الجزائر بالإرهاب ويصف مجاهديها بالفلاقة.
علينا أيضًا تجريم المقاومة الليبية ضد الاحتلال الإيطالي بقيادة عمر المختارالذي كان يوصف في الأوساط الاستعمارية والإيطالية بزعيم العصاة والمتمردين، وحتى من بعض الليبيين المتعاونين مع الاحتلال، وقدم الليبيون قرابة مليون شهيد، وأجبر البعض على الهجرة إلى دول الجوار، وتعرض البعض الآخر للنفي إلى الجزر الإيطالية المهجورة والموبوءة ليلقوا مصيرًا لا يقل سوءًا عن مصير أهلهم في معتقلات الداخل، وعلينا وفقًا لمنطق الضحايا وحجمهم الذين زهقت أرواحهم في معارك التحرير ضد الاستعمار أن نجرم كل حركات التحرر في العالم من فيتنام وحتى كوبا مرورًا بكفاح السود في جنوب إفريقيا ضد المميز العنصري.
هذا منطق استعماري صاحب حركة الاستعمار منذ انطلاقها في القرنين السابع عشر والثامن عشر لشيطنة المقاومة وليعلق عليها جميع الجرائم التي ارتكبها ضد الشعوب لتبرير مشروعه الاستعماري ولتصفية حركات المقاومة دون ملاحقات قانونية أو أخلاقية ولإجبار الشعوب على الإذعان له، ما لم ولن يقوله المطبعون والخانعون في أمتنا عبر الفضائيات المليئة كذبًا وتزويرًا أن الغرب يريد ثرواتنا ونفطنا وشواطئنا الدافئة والممرات البحرية وإيجاد حلول لأزماته الاقتصادية التي أنتجتها الأقلية الرأسمالية التي تسيطر على القرار في الغرب، وتمكينه من تلك المصالح (برأس الموس والا قعره).
إيران لم تطلب الحرب ولم تذهب إليها، بل فرضت عليها، ولم تمتلك أسلحة نووية، حتى وإن امتلكت ذلك، فهي ليست الدولة الوحيدة التي تفعل ذلك، وليس من حق أحد أن يمنعها هذا الحق وسط عالم لا يخاف إلا الأقوياء، وقد بين العدوان عليها أن لها الحق في امتلاك هذا السلاح لردع العدوان الذي لن يكون الأخير إذا لم تدخل بيت الطاعة الأمريكية طائعة أو مجبرة، وأصبح هذا حقًا لكل شعوب المعمورة أمام تغول القوى الإمبريالية والاستعمارية التي تسعى إلى الهيمنة على الشعوب ونهب ثرواتها وإفقارها، هذه القوة التي كشرت عن أنيابها في موجة جديدة من الاستعمار ذكرت شعوب العالم بأنيابها، ووجب مواجهة هذا الصلف والتطاول والغطرسة وبكل السبل حيث بات من المحتم هزيمته.
بينت المواجهة مع إيران أنه بالإمكان هزيمة هذا المشروع أو على أقل تقدير تعطيله إذا توحدت الشعوب وقررت المواجهة التي سترفع تكاليف المشروع حتى لا نشهد عودة جديدة للاستعمار الذي قرر أن يحُل أزماته بالتوسع شرقًا وغربًا، ولن يستثني أحدًا، ولن يترك للشعوب خيارات لتتعايش مع هذا الجنون المدفوع بجشع غير مسبوق، فالخيار الوحيد والمتاح هو المواجهة التي ترفع تكلفة هذا الصلف وكسر هذه الهمجية وتشكيل نظام عالمي جديد أكثر عدلًا تختفي فيه الحروب والمواجهات.