مقالات الرأي

أكوام من قش!!

بقلم/ مصطفى الزائدي

تلعب القيادة الدور الأساسي أثناء الصراعات، وتحدد نتيجتها، فعندما تكون مقتدرةومدربة وعلى دراية واسعة بطبيعةالأزمات ومعطيات الصراع، والأهداف المرسومة والنتائج المتوقعة منه، تحسمه عادة لصالحها.

‏كل المعاركالتاريخية التي دارت على مر العصور كان للقيادة الحقيقية أدوار مهمة في حسمها، فالشعوب متشابهة، فلا توجد شعوب جبانة وأخرى شجاعة، بلالاختلاف دائمًا في طبيعة القيادة وقدرتها على ابتداع وتنفيذ خططتقود إلى النصر، فالقادة الحقيقيون لا ينحصر دورهم أثناء المعارك الحربية ‏والسياسية والإعلامية،بل يبدأ قبلها بوقت طويل، حيث يقومون بإعداد متطلبات المعارك من إمكانيات قتالية واقتصادية ووضع الترتيبات السياسية والإعلامية المصاحبة، في إطار مشروعات تعبئة شاملة تؤمن النصر، على عكس القيادات الوهمية المتصفة بالجهل والتعالي والطمع فلن تنجح في إدارة الصراع، بل ستكون الهزائم نتيجة حتمية لوجودها.

لننظر في الصراع العربي الصهيوني، وفشل العرب -رغم عددهم وعدتهم ومقوماتهم الاقتصادية والعسكرية- في تحقيق أي إنجاز، وتمكن العدو من الانتصار عليهم في جولات عديدة من المعارك، والسبب يعود إلىطبيعة القيادة عند العرب!على غير طبيعة ونتائجالجولة الأخيرة للصراعبين الغرب متمثلًا في أمريكا والكيانالصهيوني وإيران، التي استخدم فيها المعتدي آخر مبتكرات وسائل الحرب والتدمير وآخر استخدامات الذكاء الاصطناعي والجوسسةوالحرب الإلكترونية، لكن إيران تمكنت من استيعاب ضربة أولىقاسية بمقتل عدد من قياداتها العسكرية والأمنية في لحظات العدوان الأولى، ونجحت في زمن قياسي حسب بالساعات والدقائق في إعادة ترتيب القيادة، وشن هجوم مضاد قوي على الكيان بمئات الطائرات المسيرة والصواريخ بأنواعها، وقلبت تمامًا اتجاه المعركة، وحققت توازنًا بالقوة استمر اثني عشر يومًا، وألحقتأضرارًا كبيرة بالعدو، أبسطها انهيار أسطورة دفاعاته الجوية، السبب في تقديري راجع إلىأن القيادة الإيرانية أعدت نفسها واستعدت لهكذا سيناريو الذياعتمد فيه العدو سياسات حربية جديدةخبيثة تركزعلى اغتيال القادة، فيما يمكن أن نسميه الحروب القذرة.

لقد عملتإيران على بناء قوتها الذاتية واعتمدت على نفسها كليًّا، وحافظت على استقلال قرارها السيادي، وتكونت قيادتها على هذا المفهوممن أفراد مؤمنينبقضيتهم الوطنية والدينية ومدربين تدريبًا سياسيًّا وعسكريًّا جيدًا، زاهدين متواضعين وغير طمَّاعين، القادةالكبار في إيرانيعيشون حياة متواضعة بسيطة في شقق سكنية عادية في عمارات ليست محصنة ولا مؤمنة ما سهل تتبعهم واغتيالهم، قد يقول قائل إن هذا خطأ تكتيكي واستراتيجي، فلوكانوا يقيمون في بيوت محصنة محروسةبعيدين عن مساكن العامة لن يتم رصدهم وقتلهم بسهولة، لذلك نجح العدو في إلحاق ضرر كبير وبالغ في منظومة القيادة العسكرية والأمنية، وهذا قول صحيح من جانب تحليلي وصفي، لكنه من جانب آخر بين أن القادة المتواضعين القريبين من شعبهم ومن أفراد القوات المسلحة والحرس الثوري والأجهزة الأمنية بنوا ترابطًا مع مرؤوسيهموولدوا ثقة فيما بينهم، وتحول دورهم كأفراد إلى جزء من منظومة قيادة جماعية أوسع، بحيث نجحالصف الثاني والثالث بسرعةفي إعادةترتيب القيادة.

أتصور أن كثيرين مثلي كانوا يتوقعون عدم نجاح إيران في استيعاب الضربة الأولى بتلك السهولة التي حدثت،خاصة إذا ما نظرنا إلى أحداث مشابهة، فعندما تعرض الكيان الصهيوني لهجوم مباغت شنته كتائب عزالدين القسامفي السابع من أكتوبر، ترنح العدووبقي يومين في حالة شلل، ولم يكن قادرًا على اتخاذ القرار المناسب، الحالة السيئة للقيادة الصهيونية والارتباك الشديد لديهم اضطر الرئيس الأمريكي بايدن ورئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي إلى أن يهرعوا للقدومإلى الكيان لتثبيته ودعمه ومدهبالسلاح، وبعد ثلاثة أيام قام العدوبشن هجوممضاد على القسام لا يزال مستمرًا بكل ضراوةووحشيةإلى يومنا هذا لقرابة سنتين، الحال في إيران لم يكن كذلك، بل نجحتبعد ثماني ساعات في إرسال الصواريخ الإيرانية بالعشرات على الكيان الصهيونيمخترقةوسائل الدفاع الجوي الأمريكي المتطورة في القواعد الغربيةفي الخليج والعراقوسوريا والأردن ووسائل الدفاع البريطانية والفرنسية في المنطقة، ومن بعدها منظومة الدفاع الجوي الأكثر تعقيدًا في العالم المنصوبة في دولة الكيان، ولولا التدخل العسكري الأمريكي وشن غارات على إيران وإعلان الرئيس ترامبوقف العدوان لاستمرتالمعركة لسنين.

‏السؤال حول طبيعة القيادة في بلادناالعربية، ففي أغلبها قيادات متعاليةجاهلة غير واعية تعتمدالتظاهر المزيف بالقوة وحياة الترف،والحال ينسحب إلىحد كبير إلى الأحزاب والتنظيمات العربية التي فشلت في تحريك الجماهير وتعبئتها.

الحكومات العربية في أغلبها مجرد موظفين عند الغرب المستعمر بقيادة الولايات المتحدة، أمّاالأحزاب والتنظيمات فهي في معظمها أدوات ديكورية لدى الحكومات التابعة للغرب، ومن هنا يمكن تفسير السبب وراء عدم وجود مبادرات جدية لإدارة الصراع العربي الصهيوني، ولاحتى تقديم مشاريع وطنية لترسيخ فكرة التحرر الوطني.الحقيقة أن القادة المتعلمين المتواضعين الزاهدين ينتصرون دائمًا وتدون أسماؤهم وأفعالهم بمداد من نور، أمّا القادة التافهون الجهلة المتعالون فمجرد كومة قش يبعثرها الريح!

زر الذهاب إلى الأعلى