مقالات الرأي

لماذا لا يريد العرب أن تهزم إسرائيل؟

بقلم/ أبوصالح الزوي

من خلال متابعة الأحداث، نلاحظ أن الموقف العربي تجاه الكيان الصهيوني يختلف من دولة إلى أخرى، كما أن هذه المواقف قابلة للتغيير والتعديل بمرور الوقت. البعض يرى في الحرب الدائرة في الشرق الأوسط فرصة لكسر شوكة العدو، بينما الجانب الآخر يرى فيها وسيلة لوضع حد للتهديدات الإيرانية لدول الخليج، لدرجة تدفعك إلى التفكير بأن العرب لا يريدون هزيمة الكيان الصهيوني، رغم أنهم ليسوا طرفًا مباشرًا في هذه الحرب، ورغم علم إيران المسبق بتدخل أمريكا في الحرب، واستخدام قواعدها في المنطقة – ودول الخليج على وجه الخصوص – لضرب إيران واعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية الموجهة نحو تل أبيب.

لذلك، هناك بعض النقاط المهمة التي قد تساعد على فهم بعض الأسباب التي لا يريد العرب بسببها هزيمة إسرائيل:

1. الخوف من النتائج، خصوصًا أن بعض الدول العربية قد تخشى من العواقب العسكرية والاقتصادية والسياسية الهائلة التي قد تنجم عن حرب الكيان الصهيوني على إيران، خصوصًا إذا لم تُهزم إيران كما تم التخطيط لها.

2. قد تتحول إيران إلى دولة عظمى بعد انتهاء الحرب، أو ربما تصبح دولة نووية، وهذا لا يروق للكثير من الأنظمة العربية، وخصوصًا دول الخليج.

3. ظهور التحالفات الإقليمية والدولية، والتي قد تكون بعض الدول العربية جزءًا منها، وقد تؤثر هذه التحالفات – سواء أكانت إقليمية أم دولية – على مواقفها تجاه الكيان الصهيوني.

4. بعض الدول العربية لديها مصالح مشتركة، ربما تكون اقتصادية أو أمنية مع الكيان الصهيوني، ما قد يؤدي إلى تفضيل الحفاظ على علاقات متوازنة بدلًا من السعي نحو هزيمة مباشرة.

أما الأسباب الاجتماعية والثقافية وراء رغبة البعض في عدم هزيمة إسرائيل فتتلخص في:

الانتماءات الإقليمية والدينية: فبعض الدول العربية قد تشعر بالانتماء الديني نحو القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى وما يمثله للمسلمين في كافة بقاع الأرض.

وهناك بعض الأسباب الاقتصادية التي يجب أخذها بعين الاعتبار، خصوصًا وأن الحرب بدأت من طرف إسرائيل، وبدون مقدمات، مع غياب المخزون من المواد الغذائية الأساسية والمحروقات، حيث إن المنطقة قد تشهد توقف حركة الملاحة البحرية والجوية.

موقف الدول العربية، وخصوصًا دول الطوق، تجاه الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، متحفظ ومحايد. لكن النتائج النهائية للحرب سوف تعيد رسم التحالفات وتشهد خريطة المنطقة تغيُّرًا كبيرًا. فخلال عقود من التآمر على الجيوش العربية والزعماء العرب القوميين، استطاعت الإمبريالية إسقاط الجيش العراقي. وقد حذر العقيد معمر القذافي مرارًا وتكرارًا، وعلى الهواء مباشرة، عبر شاشات التلفزيون، من “قطار الموت الصهيوني” الذي يستهدف كافة الأنظمة العربية والإسلامية، ليستمر تنفيذ المخطط من خلال استخدام الدول الاستعمارية عملاءها في إشعال فتيل ما يسمى بـ”الربيع العبري”، الذي استهدف الأنظمة العربية التحريرية بهدف إخضاع هذه الدول وإسقاط أنظمتها.

وفعلًا، كانت الشرارة من تونس، لتنتقل إلى مصر، ومنها إلى ليبيا ثم سوريا والسودان واليمن، لتنتهي هذه المؤامرة بإسقاط نظام الحكم في تونس ومصر وليبيا والسودان وسوريا واليمن، وفتح الباب على مصراعيه أمام الدول الاستعمارية لتدمير الترسانة العسكرية، ونهب الثروات الطبيعية، والاستيلاء على الأرصدة المالية.

اندلاع الحرب بين إيران والكيان الصهيوني أسقط ورقة التوت عن النظام الرسمي العربي، بل أسقط كل الشعارات الوهمية التي ترفعها الشعوب العربية التي تعبر عن الانتماء الوطني لفلسطين والرغبة في الدفاع عنها، ومن هذه الشعارات:

“فلسطين عربية” – “القدس خط أحمر” – “حق العودة” – “فلسطين وطننا” – “الحرية لفلسطين” – “وحدة الشعب الفلسطيني” – “القدس أرض المعركة” – “الجهاد في سبيل الله” – “من البحر إلى النهر” – “فلسطين لن تكون إسرائيلية”.

هذه الحرب بداية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، أو ما يعرف بمصطلح “إسرائيل الكبرى”، التي تمتد من النهر إلى النهر (من نهر الفرات في العراق إلى نهر النيل في مصر).

مما سبق نستنتج أن الخاسر الكبير في هذه الحرب هم العرب، ومهما كانت السيناريوهات، وبغض النظر عن الطرف الفائز أو الخاسر، فإن النتائج ستكون كارثية. ويمكن من خلال النقاط التالية التعرف على النتائج أو السيناريوهات التي يمكن أن تحدث:

1. انتهاء الحرب باتفاق سياسي دون نصر حاسم، وهو ما يُعرف في كرة القدم بـ”التعادل السلبي”، مما يمنح إيران تفوقًا معنويًّا، بحكم الإمكانيات الهائلة للطرف الآخر والدعم اللوجستي الذي حصل عليه من جيرانه، بينما تم اعتراض مسيرات إيران. ومن خلال هذه النقطة، ستتحول إيران إلى قوة إقليمية كبيرة، وتُكمل برنامجها النووي، لتصبح قوة نووية.

2. هزيمة إيران، وهذا يعني تحول الكيان الصهيوني إلى “الشرطي الوحيد” في المنطقة، وسيبدأ بتنفيذ كل مخططاته، وتهجير الفلسطينيين رغم أنف الجميع، وتطفو إلى السطح أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”.

3. انتصار إيران في الحرب ضد إسرائيل، رغم أن هذا السيناريو صعب، لكنه ليس مستحيلًا، ويُعد أخطر السيناريوهات. في هذه الحالة، ستدفع دول الخليج المليارات – بل التريليونات – لمنع حدوثه. وسينعكس ذلك على اليمن السعيد، الذي سيزدهر، وينتهي النزاع حول الجزر الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى)، والتي تحتلها إيران منذ عام 1971.

4. تدخل بعض الدول الكبرى في الحرب، وظهور تحالفات جديدة لإعادة ترتيب موازين القوى وفق المصالح المشتركة، وقد تتسع رقعة الحرب لتشمل الخليج العربي، وربما تنخرط بعض القوى الدولية في الحرب مباشرة.

كل هذه السيناريوهات، وإن كانت بنسب متفاوتة، متوقعة الحدوث، وعلى العرب الاستعداد للتعامل معها جميعًا.

زر الذهاب إلى الأعلى