حين تتحول الدولة إلى شركة فساد خاصة

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري
على مدى سنوات الفوضى التي أعقبت نكبة الوطن، لم يعد خافيًا على الليبيين، ولا على المجتمع الدولي، حجم الجريمة الكبرى التي ارتُكبت بحق ليبيا. جريمة لم تكن وليدة الصدفة، بل دفعت بها أصابع المؤامرة من الخارج، ونُفذت بأيدٍ من الداخل، ممن تخلُّوا عن الوطن مقابل المال والسلطة والنفوذ.
لقد انتقل الليبيون من حلم بناء دولة ديمقراطية مستقرة إلى واقع مأساوي عنوانه العوز، وانعدام العدالة، وسيطرة الميليشيات والمافيات. هذا التحول المدمِّر لم يكن فقط نتيجة الحرب، بل ثمرة مشروع خبيث سُلبت فيه السلطة من الشعب، وأصبحت رهينة بيد مكونات فاسدة، بعضها يحمل فكرًا إرهابيًّا، وآخرون تاجروا باسم الوطن، وتحولوا إلى سماسرة لا هدف لهم إلا النهب.
كان الأمل في إدارة سياسية جديدة تنأى بنفسها عن منطق الكراسي والمحاصصة، وتعيد الاعتبار للمواطن الليبي. ولكن، ما حدث هو العكس تمامًا. غابت الدولة، وبرزت الكيانات الجهوية، واشتدَّت قبضة المال الفاسد، وصار القرار السياسي رهينة الخارج.
أصبحت ليبيا اليوم بلدًا يُدار كمؤسسة خاصة، تحكمها شبكات مافيوية تسيطر على مؤسسات الدولة، وخاصة المالية منها. الفساد لم يعد مجرد سلوك فردي، بل منظومة متكاملة تُشرعن النهب، وتحمي الفاسدين، وتمنع الرقابة، وتقمع المحاسبة.
من يملك الجرأة على كشف المستور، فسيرى أن بعض المسؤولين يتسابقون اليوم، ليس من أجل الإصلاح أو خدمة المواطنين، بل من أجل السيطرة على منابع المال العام.
ومن نافلة القول إن مظاهر الفساد باتت واضحة في حياة الترف التي يعيشها بعضهم، من الفلل الفارهة إلى الرحلات الممولة من أموال الليبيين، بينما يعاني المواطن البسيط من أجل قوت يومه.
في المقابل، تعيش الدولة حالة انقسام حاد، تفقد معها كل يوم قدرتها على النهوض والعودة إلى مسارها الطبيعي. سقطت الشرعية، وغابت الرقابة، وتحوَّلت الثروة الوطنية إلى غنائم توزعها جماعات السلطة والمال، بينما تكتفي الأجهزة الرقابية والقضائية بالمشاهدة، أو تُمنع من أداء دورها.
في دول مجاورة، رأينا كيف أسقطت شعوبٌ أنظمةً فاسدةً، واصطفَّ رموزها في قفص الاتهام، بمن فيهم زعماء أحزاب طالما ادَّعت الدفاع عن الشعب. أما في ليبيا، فما زالت مافيات الداخل تسابق الزمن لبناء كيانات موازية، تلتفُّ على إرادة الليبيين، وتستولي على القرار السياسي والاقتصادي.
ما يحدث اليوم هو اختطاف للدولة، وتفريغها من معناها ومؤسساتها. لكن، مهما طال الزمن، فإن عجلة المحاسبة ستدور، وسيسقط الفاسدون، وستُسترد البلاد، ويُعاد إلى الوطن اعتباره، طالما أن في هذا الشعب من لا يزال يؤمن بأنهسيأتي اليوم الذي تتحول فيه ليبيا إلى دولة حرَّة، مستقلة، ديمقراطية. وهذه حقيقة من شواهد التاريخ.