مقالات الرأي

بين الرضا والطموح

بقلم/ المهدي الفهري

النجاح في تحقيق أي عمل له رمزية رفيعة في الوجدان الذاتي، وعادة ما يشعرنا بالإشباع النفسي، ويجعلنا أكثر استعدادًا للتفكير فيما بعده، ويملي علينا تكرار المحاولة والقيام بإنجازات أخرى. وإنجاز أي مهمة -مهما كانت صغيرة- ينبغي أن يشعرنا بالارتياح، لأن عدم فعل ذلك يدخلنا في حالة من العزلة والانزواء، ويحد من قدرتنا وقابليتنا على خوض المزيد من التجارب والمحاولات. وذكر وتوثيق إنجازاتنا -مهما كانت بسيطة- لا يعني بالضرورة ممارسة سلوك ونمط نرجسي من الصعب التخلص منه، بل دليل على إيجابية فطرتنا وعلى تغلبنا على سلبيات الذات المبرمجة، فالرضا بالقليل مع القناعة أفضل من البحث عن الكثير بدونها، لأن البعد الفطري للإنسان في الامتلاك والحصول على بعض الأشياء غير محدود، ولا يقف عند حد من حدود التملك والاكتفاء، وكلما استطاع أن يحقق جزءًا منه تبخرت سعادته مع ما تحقق، وكلما هيأ نفسه للبحث عنها من جديد من خلال السعي إلى امتلاك المزيد وهو في بحث دائم وشاق لا يستطيع معه السيطرة على نفسه وكبح طموحه أو التوقف في محطة من محطات الاستيعاب والاستغناء.

وإذا كان الإطراء يشعرنا بالراحة ويشجعنا على الاستمرارية فإن الانعكاس السلبي أيضًا له آثاره النفسية والعاطفية المحبطة التي تحتاج إلى قدر وقدرة كبيرة من التحمل ومواجهة الصعاب والهزات العنيفة والخروج منها بموقف أقوى وأكثر إصرارًا على مواصلة المسار،لا سيما عندما نعتقد بأننا على الطريق الصحيح والسليم، وحالما نتأكد بأننا ننتهج طرق وقيم الاستقامة التي نحاول غرسها في قلوب ومشاعر الآخرين من تعايش وتنوع وإنسانية وبما يوفر لنا ولهم نوعًا من الأمن والأمل رغم أن ما نتعلمه من التجارب السلبية غالبًا ما يكون أعمق وأشد أثرًا على أنفسنا من التجارب الإيجابية مع أولوية التركيز على الجانب الإيجابي، وعادة ما يكون الخوف والتوجس من ردود الأفعال ومعرفة آراء الآخرين ملازمًا لما نتخذه من قرارات وما نُقْدِم عليه من خيارات، سواء ذات الطابع الشخصي وما يترتب عليه من آثار أم بما له علاقة بعموم الناس وما يفرضه علينا من التزامات وبما يعزز من الثقة فيما نتخذه من مواقف وقناعات تذكرنا بأهمية تبادل الرؤى والخبرات الثقافية المشتركة مع غيرنا كأعضاء في الأسرة الإنسانية الواحدة للدفع بالشأن الثقافي إلى الواجهة ليلامس حياة الناس ويسهم في تثقيفهم.

المعركة الأساسية دائمًا هي معركة الوعي، وهدف أي تغيير أو ثورة هو تحرير فكر الإنسان، وتغير آليات الوعي والمعرفة عند بعض الأفراد قد يجعلهم أكثر اعتمادًا واستجابة للأفكار المرسلة لهم بدلًا من تجاربهم الشخصية، ما ينعكس سلبًا على تطوير قدراتهم الذاتية ويضعهم في حالة من التردد والخوف من التجديد ومحاربة التغيير، وهذا ما يتطلب جهدًا والتزامًا من الجميع، ويضاعف من حجم مهمتنا الدائمة بالحرص على الوعي وإعادة إنتاج الوعي وتنمية الإبداعات الثقافية للوصول إلى مرحلة الصقل الذاتي والمزمن للذاكرة وشحن الطاقات الإيجابية التي ترفع رصيدنا الثقافي والمعرفي والإنساني وتحقق نوعًا من التوازن بين ما نتطلع إليه وبين الواقع وبين الرضا والطموح بمفهومه العام والشامل.

زر الذهاب إلى الأعلى