في مهبِّ النيران: فلسطين تحت ظلال الحرب الإيرانية الإسرائيلية

بقلم/ محمد علوش
في زوايا الأرض التي طالها العذاب، هناك وطنٌ لا يزال يرزح تحت سحب الدخان، وطنٌ اسمه فلسطين، ومن بين جراحه النازفة، ومن تحت ركام ذاكرته المنهكة، يتسلل وجع جديد، كأنه لم يكن يكفيه ما ذاق من نكبات ونكسات ودروب معاناة، حتى جاءت الحرب الإيرانية الإسرائيلية لتصب الزيت فوق نارٍ لم تنطفئ منذ عقود.
في غمرة هذا الصراع الإقليمي، تتطاير شظايا السياسة فوق رؤوس الفقراء، بينما العواصم تتبادل التصريحات وتحتسب الخسائر على الورق، دون أن تلتفت إلى قلوب الأمهات التي تنكمش كل مساء خوفًا من غدٍ أعتم.
بين طهران وتل أبيب، هناك شعبٌ يُنسى عمدًا، يُمحى من أجندات الحرب والسلام، كأن حضوره ليس إلا هامشًا في نصٍّ طويل من الألم.
البيوت في غزة، الهشَّة كأحلام أطفالها، ترتعد من وقع التحولات، وهنا، لا يسأل الناس: “من سينتصر؟” بل يتساءلون: “كم من الوقت سنبقى أحياء؟”، فكل قنبلة تسقط في العمق الإيراني أو في صحراء النقب، تصدح أصداؤها في الأزقة المحاصرة، حيث الكهرباء شحيحة، والماء لا يصل إلا خجولًا، والحياة أشبه بتمرينٍ يومي على الاحتمال.
أما في الضفة الغربية، فقد ازدادت القبضة قسوة، فهذا الاحتلال يستغل الانشغال العالمي ليشد الخناق أكثر، يستوطن الأرض ويسلب البيوت، كأن الزمن قد منحه رخصة مفتوحة للبطش، وتبقى القدس، مدينة القلب، وحيدة في مواجهة مشاريع الاغتصاب بالأسرلة والتهويد، تنتظر من يرفع عنها هذا الستار الحديدي.
لكن الفلسطيني، رغم كل شيء، لا يذوب في المعادلات، هو ليس ضحية صامتة ولا ورقة في مهبِّ الرياح الكبرى، إنه الشاهد الحي على ظلمٍ لا يغيب، وهو الصوت الذي يصرخ، حتى وإن لم يُسمع، في وجه كل من أراد له النسيان، وفي وجه هذا الصراع الذي يرسم الخرائط بالدم، يتمسك الفلسطيني بجذوره كما يتمسك الطفل بثوب أمه في الظلام.
وها هو، في زمن الحرب الكبرى، يكتب من جديد على جدران مخيماته: نحن لا نخاف، لأن الخوف صار جزءًا من يومياتنا، ونحن باقون، لأن الرحيل خيانة.
وفي زحمة النار المشتعلة بين الشرق والغرب، وبين صدى الصواريخ ولهيب المعارك، تقف فلسطين شامخة، كغصنِ زيتونٍ تحدَّى العاصفة، وهذه الحرب الإيرانية الإسرائيلية تمضي في سماء مثقلة بالرماد، لكن في الزوايا المحتلة، في المخيمات المبعثرة، وفي القلوب التي لا تنكسر، لا تزال فلسطين تنبض.
وليس غريبًا أن ينسى العالم، لكن الفلسطيني لا ينسى من هو، في ظل الحرب، لا يختبئ، بل يشدُّ عباءته على جراحه، ويواصل الزرع في أرض عطشى، والغناء لأمل لا يقهر.
الصواريخ تدوِّي بعيدًا، لكن صوته أرسخ، كأنه يهمس للعالم: نحن هنا، ولا نغيب، لا نهزم، ولا نُنسى، ولا نَنسى.