فخاخ الخندق الأيديولوجي

بقلم/ عفاف الفرجاني
تناهض بعض الأصوات في ليبيا جهود الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة عدوان دولة الكيان الغاصب على أراضيها ومقدراتها الأمنية والاقتصادية، ويستند هؤلاء إلى دواعٍ تتعلق بالاختلاف المذهبي الذي جعل إيران دولة عدوة، حسب اعتقادهم، والتحجج بأن بلاد فارس ذات طبيعة استعمارية، ما يجعلها دولة لا يؤتمن لها جانب.
مالم يعلمه الكثيرون أن قواسم مشتركة كثيرة جمعت بين ليبيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية، خصوصًا بعد سقوط نظام شاه إيران الموالي للغرب والصهيونية، ولعل أهم هذه القواسم التصدي لمحاولات الهيمنة الأمريكية والتوسع الصهيوني في المنطقة العربية والخليج العربي.
عقب انتصار الثورة الإيرانية قامت الجمهورية الوليدة بقطع كل علاقاتها التي كانت تربطها مع دولة الكيان الصهيوني، وفي نفس الاتجاه كانت ثورة الفاتح من سبتمبر تحرِّض على مقاطعة الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، وعدم إقامة أي علاقة معه، كما تشابه الخطاب السياسي في ليبيا وإيران، حيث طغت عليه الصبغة الثورية المعادية للإمبريالية والصهيونية، حيث قاد النظام الجماهيري الثورة العالمية ضد الاستعمار والإمبريالية، فيما قادت إيران ما أطلقت عليه “ثورة المستضعفين في الأرض” لذلك يلاحظ وجود الكثير من القواسم المشتركة، وإن اختلاف المذهب الديني بينهما “السني المالكي والشيعي الاثني عشري” لم يكن عائقًا أمام التوافق على قضايا الشعوب في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.. بالرغم من أن معمر القذافي كان من أشد معارضي المذهبية في الإسلام، ويدعو في كثير من المناسبات إلى إسلام بلا مذاهب.
تجلى هذا التوافق في دعم ليبيا للثورة الإيرانية الوليدة، خصوصًا فيما عرف بأزمة رهائن السفارة الأمريكية بطهران سنة 1979 استنادًا إلى الرؤى المشتركة دون النظر إلى الاختلافات الدينية والقومية، فقد توطدت العلاقات بين طرابلس وطهران عبر زيارة عدد من مسؤولي النظام الإيراني إلى طرابلس، وأبرمت العديد من الاتفاقات التي أسست لإقامة مشاريع مشتركة في تسعينيات القرن الماضي.
في تقديري، إن ما شاب العلاقة بين الطرفين من توتر يرجع إلى تأجيج قضايا ذات طبيعة أمنية ومذهبية أولها قضية اختفاء موسى الصدر.
السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو لم تدخل الفتن المذهبية بين البلدين؟ وبخاصة أن إيران تملك وقتها جيش الشاه المتقدم تقنيًّا، كما ظهر الحرس الثوري كقوة عسكرية عقائدية موازية للجيش، مع تطور صناعة الصواريخ، والطائرات بدون طيار، والأسلحة الكيماوية… الخ.
في المقابل ليبيا كان لديها ترسانة ضخمة من الأسلحة السوفييتية (دبابات، صواريخ سكود، طائرات ميغ) هذه المقومات كان يمكن لها أن تجعل من الدولتين قوتين قادرتين على تحقيق المنشود، وإيجاد حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، لهذا كان لابد من هذا التآلف والتعاون أن يواجه هذا المصير من قوى الشر، وبالرغم من هذه الفتن التي خطط لها من أطراف دولية وزرع الخلاف بين الجانبين، تبقى إيران الدولة الإسلامية التي تقاتل العدوالصهيوني بالوكالة عن جميع المسلمين.