ظلال الحرب

بقلم/ أحمد رمضان
في عالم باتت التكنولوجيا تسكن تفاصيل حياتنا اليومية، لم تعد الحروب تدار فقط بالسلاح والدبابات. هناك جبهة جديدة وأكثر هدوءًا من صوت القذائف والرصاص، لكنها لا تقل شراسة، إنها ساحة الحرب الإلكترونية.
ما حدث في الآونة الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني يعكس تصعيدًا غير مسبوق في الصراع القائم بينهما، حيث لا نسمع فيه دوي الانفجارات، لكننا نرى نتائجه واضحة انهيار أنظمة، خسائر اقتصادية، وتسريب بيانات المؤسسات الحكومية.
البداية كانت بهجوم سيبراني قادته مجموعة تُطلق على نفسها اسمها (Predatory Sparrow)، استهدفت إحدى أكبر منصات التداول الرقمي الإيراني. هذه المنصة كانت أكثر من مجرد شركة، بل أداة حيوية تعتمد عليها الدولة للالتفاف على العقوبات الدولية، لكن ما فعله المخترقون لم يكن بغرض السرقة. على العكس، دمروا كل شيء داخل المنصة. أكثر من 100 مليون دولار تم تحويلها إلى محافظ رقمية لا يمكن استخدامها لاحقًا، فقط لتدمير الأصول. وهذا بحد ذاته يُظهر أن الهدف كان تخريبيًّا بحتًا، لا الربح وضربًا للاقتصاد الإيراني فقط، ثم قاموا بتسريب الأكواد التشغيلية الخاصة بالمنصة، من المستندات، والمفاتيح الرقمية التي تتحكم بكل العمليات داخل المنصة.
في المقابل، لم تصمت إيران على هذا الهجوم فمجموعة تُدعى “Handala” وهي على صلة مباشرة بالحكومة الإيرانية، أعلنت عن اختراق مركز علمي مهم داخل الكيان، يعمل على تطوير تقنيات دفاعية، وأسلحة متقدمة، وبتعاون مع جهات أمريكية، تم تسريب معلومات مهمة منه.
وتوالت التحركات السيبرانية، حيث تم اختراق شركة مختصة بالتقنيات المالية للصهاينة، ووجَّهت المجموعة إنذارًا لعملاء الشركة بسحب أموالهم خلال 48 ساعة وإلا فسيتم “مسح الشركة رقميًّا” من الوجود.
وما زاد الأمر تطورًا، إعلان مجموعة إلكترونية أخرى تشير دلائل إلى ارتباطها أيضًا بإيران اختراق نظام الدفاع الجوي المعروف بـ القبة الحديدية، كل هذا لم يحدث في أشهر أو أسابيع، بل في أقل من أيام قليلة، حرب كاملة تدار بلا جنود، بلا دبابات، وبلا طائرات. لكنها تحسم مصائر دول، وتربك الأسواق، وتسقط أنظمة بشفرة واحدة، هذه الحرب الرقمية ترغم العالم على إعادة تعريف مفهوم الأمن الإلكتروني. فاليوم، قد يبدأ الانهيار ليس من اختراق الحدود أو السيطرة عليها، بل من دخول ناجح إلى نظام حساس، وهنا نسأل أنفسنا هل العالم مستعد لحرب بلا قواعد وبلا حدود؟!، حرب باردة تخاض بصمت وتنتهي بعطب الأنظمة وفشلها وتسريب البيانات منها، ومن هنا حان الوقت لندرك أن الجيوش التقليدية لم تعد كافية وحدها، هناك حروب إلكترونية، تدار فيها معارك غير مرئية دقيقة نسبة الخطأ فيها معدوم.. ولا بد أن نكون يقظين اليوم، لأن الخطر قد يكون على بعد نقرة واحدة.