حسم الجدل في نظرية المؤامرة!!

بقلم/ مصطفى الزائدي
العدوان الصهيوني على إيران جزء من حرب شاملة يشنها الغرب بقيادة أمريكا لمنع الدول العربية والإسلامية من التطور والتقدم بما قد يعزز استقلالها وسيادتها وخروجها من دائرة نفوذ المستعمر.
إنه مقدمة لحرب قد تكون ضروسًا يحاول من خلالها الغرب إعادة رسم جغرافية المنطقة وكتابة فصل جديد في تاريخها، ولم يكن هذا العدوان الصهيوني شرارتها الأولى، بل بدأ مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بصناعة الكيان في المنطقة وتسليحه وفرضه كقوة مهيمنة.
لقد اتجهت الحرب إلى ضرب حركات التحرر العربي وترسيخ تفتيت المنطقة الذي وُضعت خرائطه مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى.
الهجوم السياسي والعسكري والإعلامي الذي تعرضت له الثورة الناصرية القومية مكَّن الغرب من إفشال مشروعها وإعادة العرب إلى حقب متخلفة ومنعهم من الوصول إلى متطلبات النهوض. فلقد أدرك الغرب خطورة الثورة الناصرية بعد أن أطلقت برامج محلية لتطوير التعليم والزراعة لتأمين الاكتفاء الذاتي والدخول في التصنيع، بما فيه تصنيع السلاح. فبعد تأميم قناة السويس، شنَّ الغرب والكيان العدوان الثلاثي الذي كان عنوانه: “لا للاستقلال الجدي”.
ولأنه كان من ركائز المشروع الناصري بناء دولة عربية واحدة قوية، ظهر نموذجها في الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا. حرَّض الغرب عملاءه في المنطقة على استنزاف عنفوان المشروع الناصري بتنفيذ انقلاب في سوريا قاد إلى انفصالها عن الجمهورية العربية المتحدة، وشنَّ حرب اليمن بين الثوار التقدميين ونظام الإمامة المتخلف. وبعد عدوان 67 بدأ الانهيار الكلي للأمة، وأُشغلت الدويلات الوطنية البسيطة في معارك بينية متواصلة ومدمِّرة، وصار الاحتماء بالغرب وحتى الكيان وسيلة لضمان البقاء والاستمرار.
النتيجة أن تحولت الدويلات العربية إلى درع لحماية الكيان وتأمين وجوده، وتحويل المنطقة العربية إلى سوق استهلاكي ضخم، وأُدخل شبابها في مشاريع تافهة، واستُخدم الدين لفرض حالة من التخلف والصراعات داخل المجتمع الواحد، وصار تكفير الخصوم والدعوة لقتالهم خطابًا سائدًا.
في الوقت نفسه، نجحت شعوب أخرى تنتمي إلى منظومة الدول الخارجة للتو من مرحلة الاستعمار، في بناء دولها القادرة على الدخول في معترك الصراع الدولي وتحقيق قدر كبير من التطور الاقتصادي والمعرفي، ومنها تركيا والهند والكوريتان وفيتنام والباكستان وغيرها.
الإيرانيون أطلقوا في السبعينيات من القرن الماضي مشروعًا ثوريًّا، حوَّل إيران الشاهنشاهية من مخالب للغرب وقائدة لحلف بغداد الفاشل إلى مركز لمقاومة الغرب ولدعم الثورة الفلسطينية. وقد بدأت إرهاصات الثورة الإيرانية منذ خمسينيات القرن الماضي بثورة محمد مصدق، لكن الغرب نجح في التآمر عليها وإسقاطها بتنظيم مبرمج لمظاهرات شعبية محدودة وتدخل الجيش، فأعاد الشاه البهلوي، محمد رضا. وتأسس في إيران جهاز أمني قمعي رديف لـ”الموساد” الصهيوني، هو “السافاك”، وكانت طهران قاعدة أساسية للمشروع الغربي لاحتواء المنطقة العربية.
في نهاية السبعينيات انتصرت الثورة الإسلامية الخمينية، لتنتقل إيران إلى رأس حربة ضد المشروع الغربي والصهيوني، واعترفت بفلسطين وسلَّمت سفارة الكيان إلى منظمة التحرير الفلسطينية. ذلك أجَّج المؤامرات الغربية ضدها، فأُشعل فتيل حرب عبثية بينها وبين العراق استمرت قرابة عقد من الزمان، هدفت إلى تدمير مقدَّرات البلدين، فيما عُرف بـ”الاحتواء المزدوج”.
لكن إيران حاولت بناء قوة اقتصادية وعسكرية ذاتية، ونجحت إلى حد كبير في ذلك، ما دفع الغرب إلى استخدام كافة الوسائل لمنعها من ذلك، بتطبيق عقوبات اقتصادية قاسية، وإخضاع منشآتها النووية للتفتيش المكثف، وأخيرًا استخدام القوة الغاشمة لتدميرها.
سيقول البعض: هذا خطاب متخشب وقديم، وتنظير لنظرية المؤامرة!! وإن القوميين – “القومجيون” حسب أوصاف الخصوم – ليس لديهم إلا مشجب الاستعمار يعلِّقون عليه فشلهم. وإن الأنظمة العربية الشمولية الاستبدادية – في وصف غير معقول للأنظمة التي نتجت عن الثورات والانقلابات القومية – هي المسؤولة عما وصل إليه الحال. طبعًا لا يعتبرون الأنظمة الفولكلورية – الملكية – أنظمة شمولية استبدادية، مع أنها نموذج متكامل لأنظمة الاستبداد المتبقية من العصور الوسطى.
المستجد في محاولات دحض نظرية المؤامرة هو استدعاء الخلاف السني–الشيعي لتبرير الصمت خلال المعركة بين إيران والغرب، وكذلك محاولة تفجير فتن إثنية بين سكان الدول العربية.
من الصعب الجدل مع أولئك لسببين وجيهين: الأول أن أغلب من يطرحون ذلك أدوات مسخرة تعمل لدى الغرب، ولعل دور الجواسيس في معركة إيران ولبنان دليل دامغ على ذلك. والسبب الثاني هو جهل من يتحدثون عن ذلك. فكما يستحيل الحوار مع جاسوس، فمن المستحيل أيضًا الحوار مع الجاهلين. ولقد أمرنا الله عز وجل أن نعرض عنهم، قال تعالى:
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
لكن حديث نتنياهو أغنانا عن ذلك، إذ قال لهيئة البث الإسرائيلية الرسمية:
“بعد قيام إسرائيل واجهنا عالمًا عربيًّا موحدًا، وفرقناه تدريجيًّا”.
فهل بعد هذا توجد حاجة للجدل حول نظرية المؤامرة؟!