المشروع يستهدف الساكتين والشامتين والداعمين

بقلم/ ناجي إبراهيم
لا أحد في الأوساط الصحفية والدبلوماسية وحتى الرأي العام، وبخاصة في الغرب المُشبع بالاعتقادات الثوارتية (المكذوبة) والتي يوجد عندنا مثيل لها في بعض أفكار ممن يسمون(السلف) وعدد ليس بالقليل عند (الشيعة) الذين حولوا الدين إلى شيع وأحزاب، لا أحد بين هؤلاء يسأل عما إذا كانت دولة الكيان الصهيوني بارتكابها عدوانًا سافرًا على الجمهورية الإيرانية ربما يشكِّل سابقة لم تسبقها عليها إلا الولايات المتحدة في اختراق فاضح وسافر للمواثيق والأعراف الدولية، وانتهاك ميثاق الأمم المتحدة، فالجميع منشغلون بما إذا كانت الضربة الجوية الصهيونية حققت أهدافها التي لا يعلمها أحد والتي خطط لها (النتن ياهو) وتحصل على دعم وموافقة ترامب لتنفذها.
لا أحد يمد يده إلى التاريخ القريب ويقارب ما يجري اليوم من عدوان على إيران تحت ذات العناوين التي استخدمت في إسقاط أنظمة سياسية واحتلال دول وتحويلها إلى محميات تديرها السفارات وتحميها جيوش الغزاة، وبنفس الأكاذيب التي بررت جرائمهم وكشفتها الوقائع واعترفوا بها ولم يطالبهم أحد من هؤلاء بالاعتذار رغم اعترافاتهم بأخطاء ارتكبوها نتجت عن معلومات كاذبة، ولم يتوقفوا عن استخدام هذه الأكاذيب للإطاحة بنظم تعارض مشاريعهم وسياساتهم واحتلال الدول واستعمار الشعوب في إطار فرض خرائط سياسية وجغرافية جديدة تخدم توجههم المستمر للهيمنة على العالم والدفاع عن النظام العالمي الذي يقوم على الأحادية القطبية وتعطيل النظام العالمي الذي يقوم على التعددية القطبية.
لانشك مطلقًا أن إيران تتعرض لعدوان سافر وغاشم وغير مبرر على أرضها وشعبها، ولا نشك مطلقًا في أنها ستدافع بشرف وشجاعة عن أرضها وشعبها، وسيهزم الجمع ويولون الدبر على المدى القريب أو البعيد.
إيران مسنودة بالتاريخ والجغرافيا وبحقها الذي تسنده كل الشرائع والقوانين ستنتصر على الكيان المصطنع الذي يتعارض مع القانون الطبيعي في تكوين الدول، ويقوم على مجموعات غير متجانسة، بل متعارضة، جمعتها المصلحة والأوهام والأحلام ببناء مجتمع في تربة غير تربتها، قام على القتل والذبح، والتاريخ يخبرنا أن كل الدول التي أنشأتها القوة انتهت وتلاشت بالقوة.
الحليف الأمريكي لايمكن أن يضحي بمصالحه في المنطقة ولايمكنه أن يتخلى عن الكيان الصهيوني الذي شكل منذ قيامه قاعدة متقدمة للمشروع الاستعماري في المنطقة، والاستمرار في الحرب بدون مشاركتها قد يقود إلى هزيمة الكيان الصهيوني ويكون بداية النهاية لها، ومشاركتها المباشرة في الحرب على إيران سيعرض مصالحها وقواعدها في المنطقة الممتدة من الهند إلى فلسطين المحتلة مرورًا بدول وسط آسيا للخطر، وذلك ما جعل ترامب غير قادر على اتخاذ قرار بالمشاركة أو الامتناع عنها.
ترامب في ورطة كيف سيخرج منها؟
نجح (نتنياهو) في انتزاع موافقة حليفه الأمريكي بشن العدوان، ولكنه لن يستطيع أن يجر رجله إلى معركة غير معلومة النهايات، وقد تكون تكلفتها أكبر بكثيرمن عائداتها الاقتصادية والسياسية، الرئيس الأمريكي كما يقول المثل (دباره أحرف) قد وقع في مستنقع سيفقده على أقل تقدير البقاء في البيت الأبيض إلى نهاية دورته الانتخابية، وسيفقد الولايات المتحدة الهيمنة على العالم، وربما يؤذن بظهور وبروز قوى دولية وإقليمية تنازعها هذا النفوذ، والأخطر ما يهدد الاقتصاد الأمريكي الذي يفرض هيمنته بالدولار الذي قد ينهار ويتراجع بتحول شعوب العالم عن التعامل به وهو ما تخشاه دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة.
لا تستمعوا إلى ما تنقله وكالات الأنباء من تصريحات متضاربة عن مسؤولين في الغرب المليء بالأكاذيب الذي يأتي في إطار الحرب النفسية من جانب ومحاولة تضليل الرأي العام وبخاصة في بلدانهم عن النوايا والغايات والأهداف الحقيقية لإقناع المعارضين للحرب بدعمها وتأييدها، وخصوصًا عندما يتم تهويل الخطر النووي الذي تشكله إيران على السلم والأمن العالمي، ويستخدمون في ذلك المؤسسة الدولية للطاقة الذرية التي تنشر تقارير أعدت في مقر المخابرات الأمريكية ويتلوها الموظف الدولي في المنظمة ليعطيها الجانب الرسمي عن طريق كلام حق يراد به باطل، لم تكن المرة الأولى التي انحازت فيها هذه المنظمات للمصلحة الأمريكية وأعطتها المبرر لتدخلات عديدة في جميع البلدان التي لم ترضخ للإملاءات الأمريكية، ولن يكون الاستخدام الأخير ما دامت أمريكا تهيمن على القرار الدولي.
ما يتردد منذ التمهيد للعدوان على إيران هو منعها من امتلاك سلاح نووي رغم إعلانها مرارًا وتكرارًا عدم نيتها إنتاج سلاح نووي وبرنامجهاللأغراض السلمية والتنموية، وفتحت مواقعها ومختبراتها أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسمحت لهم بتركيب كاميرات تراقب النشاطات العلمية في تلك المواقع، ومع هذا كله نسمع من الجانب الآخر المعادي الذي يمتلك بشكل فعلي مئات الرؤوس النووية أن أيران على بُعد أشهر أو أيام أو ساعات لإنتاج سلاح نووي، وكل ذلك في إطار (البروبقاندة) لإخفاء الهدف الحقيقي الذي يرمي إلى إسقاط النظام وتمكين العملاء الذين ينخرطون في الحرب على بلادهم ومساندة العدوان على شعبهم من الاستيلاء على السلطة خدمة للمشروع الاستعماري في المنطقة، والتخلص من آخر جيب للمقاومة، وتتحول المنطقة إلى ساحة (سداح مداح) لتنفيذ مشروع دولة(إسرائيل) الذي يشمل الساكتين والشامتين وأيضا الداعمين، والمشروع انطلق يوم تخلينا عن العراق ليسقط تحت الهيمنة الأمريكية، ولم نستفد من درس العراق فدعمنا عدوان حلف الأطلسي على ليبيا ليسقط نظامها المعادي للإمبريالية، واليوم بعد الاستيلاء على سوريا بات الطريق ممهدًا إلى الثغور الشرقية للأمة، وتكون دولة الكيان تقترب من إعلان تحقيق حلمها من القاهرة إلى بغداد، ويعود اليهود لحصونهم في خيبر، وهذا ليس خيالًا أو أوهامًا،فما يجري على الأرض يعزز هذه المخاوف التي باتت حقيقة،وما يفصلنا عنها فقط عمر المعركة ضد إيران ونتائجها وموازينها.