داء المصالح

بقلم/ علي المبروك أبوقرين
إن تغوّل وتعاظم أنانية المصالح من أخطر الأمراض الاجتماعية والأخلاقية التي تهدد تماسك المجتمعات، وتنسف قيم العدالة والنزاهة والانتماء. وهذا الداء الخطير هو حالة سلوكية تنتشر عندما تغلب المصلحة الشخصية الضيّقة على مصلحة الجماعة والمجتمع، وتُستخدم فيه وسائل غير قانونية وغير أخلاقية، وتتعارض مع القيم والمبادئ الإنسانية لتحقيق المكاسب، حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار بالآخرين أو إلى تدمير المؤسسات، وهذا ما يحدث فعليًا.
ومن مظاهر داء المصالح: تضارب المصالح، عندما تكون للفرد مصلحة مادية أو معنوية تتضارب مع الواجب المهني أو الوطني، وكذلك بيع الضمير والتخلي عن القيم والمبادئ مقابل جني المال أو النفوذ أو الحصول على تميّز طبقي مجتمعي، والغش والتزوير والتدليس لتحقيق المكاسب، والفساد الإداري والمالي باستغلال المنصب أو السلطة لخدمة الذات أو المحيط الخاص.
كما يؤدي داء المصالح إلى تفكيك العلاقات الاجتماعية حتى داخل الأسرة، حين يتم تقديم المصلحة الشخصية على حساب الترابط والألفة والمحبة والمسؤولية، والتي قد تصل إلى حد العقوق والقطيعة والتناحر، بل وإلى ما هو أسوأ من ذلك.
ومن الآثار المدمّرة لداء المصالح: انهيار القيم المجتمعية، والعدالة، والانتماء، والإخلاص، والأمانة، والصدق، وضياع الكفاءات، والذي يتضح جليًا في التوظيف والترقيات والامتيازات بالمحسوبية والواسطة، وليس بالقدرات والجدارة والخبرة والتأهيل، ويتنامى الإقصاء والإحباط لدى أصحاب الكفاءة والضمير الحي والنزاهة.
وداء المصالح يؤدي إلى فقدان الثقة في الدولة وفي المؤسسات وفي العدالة، ويتفشّى الفساد ويعمّ، ويصبح ثقافة وأسلوب حياة.
ومن أسباب هذا الداء اللعين:
ضعف التربية القيمية والأخلاقية غياب الرقابة والمساءلة القانونية التفاوت الاجتماعي والاقتصادي واتساع الفجوة بين الطبقات الإعلام المنحاز للمظاهر والنجاح المادي مهما كانت أسبابه وظروفه ومصادره ثقافة “الغاية تبرر الوسيلة” مثل شعبي: “وإن طاح بيت أمك خُذ منه عمود”
ولمكافحة هذا الداء المدمر والأنانية القاتلة، يتوجب:
تعزيز الضمير الأخلاقي والتربية الدينية الصادقة تنمية الحس بالمسؤولية الجماعية.
وضع آليات صارمة لكشف تضارب المصالح والمحاسبة الفورية وتطبيق أشد العقوبات.
تعزيز الشفافية في التوظيف والتعيينات والصفقات والمناقصات.
تحصين المؤسسات من التسييس والجهوية إعادة بناء خطاب أخلاقي ومجتمعي يُعلي من شأن الانتماء والإخلاص والحق والصدق والأمانة.
إبراز نماذج النزاهة والتضحية الحدّ من إبراز النماذج السيئة (المال، السلطة، النفوذ، التميّز الطبقي)
إن داء المصالح، عندما يستشري، يحوّل المجتمعات إلى غابة متوحشة تفتقد للإنسانية، ويصبح فيها القانون أداة شكلية، والعدالة مجرد حلم جميل مؤجل إلى ما لا نهاية، وتصبح صحة وحياة الناس في خطر.
ولهذا، فإن مكافحة هذا المرض الاجتماعي الخطير ضرورة وجودية، لضمان استقرار المجتمع، والحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه، وضمان العدالة الاجتماعية.
داء المصالح مرض خطير.