مقالات الرأي

الصهاينة يشعلون فتيل الحرب والعالم يدفع الثمن.. فهل نعيش بداية أزمة اقتصادية جديدة؟ 

بقلم/ عثمان الدعيكي

شهدت المنطقة منعطفًا خطيرًا مع قيام الكيان الصهيوني فجر الخميس الماضي بشن هجوم عسكري واسع النطاق استهدف العمق الإيراني، حيث اعتمد على طائرات مسيرة وصواريخ دقيقة لضرب منشآت نووية في أصفهان ونطنز، ما أسفر عن مقتل 12 شخصية إيرانية بينهم قيادات عسكرية وعلماء يُشتبه في مشاركتهم في البرنامج النووي الإيراني. لم تتردد طهران في الرد، فأطلقت خلال يومي الجمعة والسبت أكثر من 200 صاروخ باليستي على أهداف استراتيجية داخل فلسطين المحتلة، شملت منشآت عسكرية ومراكز أبحاث حيوية، ما أجبر الكيان على إعلان حالة الطوارئ الشاملة في كافة الأراضي المحتلة. 

لم تكن التداعيات الاقتصادية لهذا التصعيد بمنأى عن الظهور، حيث شهدت الأسواق العالمية رد فعل عنيفًا تمثل بارتفاع أسعار النفط بأكثر من 12%، ليصل سعر خام برنت إلى 74 دولارًا للبرميل، في حين حذرت وكالة الطاقة الدولية من احتمال انخفاض الإمدادات العالمية بنحو 4 ملايين برميل يوميًّا في حال امتداد رقعة المواجهات لتشمل مضيق هرمز الذي يشهد مرور ما يزيد على 17 مليون برميل يوميًّا. كما رفعت شركات التأمين البحري أقساطها بشكل كبير، ما ينذر باضطراب سلاسل التوريد العالمية وارتفاع تكاليف الشحن بشكل غير مسبوق. 

وانعكست تداعيات الأزمة بشكل واضح على الأسواق المالية العالمية التي شهدت تراجعات حادة، حيث خسر مؤشر “ناسداك” الأمريكي 4.2% من قيمته، بينما تراجعت البورصات الخليجية بنسبة وصلت إلى 5% مع بداية جلسات الأسبوع. وفي المقابل، شهدت الأصول الآمنة مثل الذهب ارتفاعًا ملحوظًا ليبلغ سعر الأونصة 2360 دولارًا، في مؤشر واضح على اتجاه المستثمرين نحو الملاذات الآمنة في ظل أجواء عدم اليقين التي تخيم على الأسواق. 

وتظهر التداعيات الاقتصادية للأزمة بشكل متفاوت بين الدول العربية، حيث تستفيد الاقتصادات النفطية الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت وقطر من ارتفاع أسعار النفط، لكن هذه المكاسب قد تتبدد إذا ما امتدت المواجهات لتطال منشآت حيوية أو زادت حدة المخاطر الأمنية. في الجانب الآخر، تواجه الدول العربية غير النفطية مثل مصر والأردن وتونس ولبنان تحديات جسيمة تتمثل في ارتفاع فاتورة الواردات من الطاقة والسلع الأساسية، وتراجع عائدات السياحة والاستثمارات الأجنبية، ما يزيد من أعباء المالية العامة ويرفع معدلات التضخم إلى مستويات خطيرة. 

على الصعيد الدولي، أبدت المؤسسات المالية العالمية قلقها المتزايد، حيث حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من احتمال تراجع النمو العالمي بنسبة 1.1% في حال استمرار الأزمة، مع إشارات واضحة إلى اقتراب اقتصادات أوروبية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا من مرحلة الركود. كما عبر صندوق النقد الدولي عن مخاوفه الجادة من تدهور الأوضاع في الدول الفقيرة، داعيًا إلى تدخل دولي عاجل لضمان الأمن الغذائي وتقديم حزم تمويلية طارئة لإنقاذ الاقتصادات الهشة. 

في المحصلة النهائية، لم يعد هذا الصراع مجرد مواجهة محدودة بين الكيان الصهيوني وإيران، بل تحول إلى تهديد حقيقي للاستقرار الاقتصادي العالمي، خاصة مع تزايد احتمالات اتساع نطاق المواجهات. وبينما تحقق بعض الدول العربية مكاسب مؤقتة من ارتفاع أسعار النفط، فإن معظم اقتصادات المنطقة تقف على حافة أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة في ظل أوضاع مالية هشة وضغوط معيشية متصاعدة. ويبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن الدبلوماسية الدولية من احتواء الأزمة قبل أن تتحول إلى كابوس اقتصادي يضاف إلى سلسلة الأزمات التي يعاني منها العالم؟

زر الذهاب إلى الأعلى