مقالات الرأي

محو العقوبة التأديبية وتعسف الإدارة

بقلم/ غادة الصيد

تقف المادة (166) من قانون علاقات العمل رقم (12) لسنة (2010) شاهدة على محاولة المشرّع إرساء نوع من العدالة التأديبية المتوازنة، حيث تُفرض العقوبة حين يلزم العقاب، وتُمحى العقوبة حين يثبت صلاح الموظف، فهو ليس كائنًا جامدًا تُسجّل عليه العثرات إلى الأبد، بل هو إنسان قابل للتصحيح والعودة إلى الصواب.

فقد قامت المادة (166) سالفة الذكر بوضع نظام شكلي لمحو العقوبات، وبيّنت أيضًا تدرّج العقوبات بما يتلاءم مع جسامة المخالفة المرتكبة، فقد قررت: سنة واحدة لمحو عقوبة الإنذار والخصم البسيط، وسنتين لعقوبات الخصم المتوسط، وثلاث سنوات للعقوبات التي تمس الترقية والمركز الوظيفي.

وهذا التقسيم يوضح مدى الملاءمة بين العقوبة والمخالفة المرتكبة، فالذي يُنذر أو يُخصم منه بضعة أيام لا يُساوى بمن حُرم من الترقية أو خُفّضت درجته، وقد اشترطت المادة (166) شرطًا لمحو العقوبة، حيث نصّت على: “أن يكون سلوك الموظف منذ توقيع العقوبة مرضيًا، وذلك من واقع ملف خدمته”، لكن بعض الإدارات تتعامل مع هذا الشرط كأداة لرفض المحو دون أن يكون هناك سبب وجيه، لأن ترك هذه المسألة لتقدير الجهة الإدارية دون معيار موضوعي قد يفتح الباب أمام المزاجية أو يكرّس ازدواج المعايير بين موظف وآخر، وفقًا للقرب أو البعد من صانع القرار، حتى وإن كان أداء الموظف جيدًا لعامين متتالين أو خلا ملفه من مخالفات لاحقة.

وقد نصّت المادة (166) على الجهة المختصة بمحو العقوبة، حيث جاء فيها: “يتم محو العقوبة بقرار من الأمين المختص بالنسبة إلى شاغلي وظائف الإدارة العليا، وبقرار لجنة شؤون الموظفين بالنسبة إلى غيرهم”، وقرار محو العقوبة هنا يفترض ألا يكون سلطة تقديرية من جانب الإدارة، بل واجبًا عليها متى توفرت الشروط. فهذا هو الفيصل بين الإدارة العادلة والإدارة التعسفية، فهو حق مكتسب للموظف لا يخضع لاجتهاد إداري، كما أن النص لم يوضح الأجل القانوني للفصل في الطلب، فقد يُقدّم طلب محو العقوبة من جانب الموظف ويظل حبيس الأدراج لأشهر أو سنوات بلا رد.

وفيما يتعلق بالآثار المترتبة على محو العقوبة، فقد نصت المادة (166) على أن: “تُعتبر كأن لم تكن بالنسبة إلى المستقبل، وتُرفع أوراق العقوبة وكل إشارة لها وكل ما يتعلق بها من ملف خدمة الموظف”، ولكن بعض الإدارات تُبقي إشارات لها ضمن التقييمات أو ملفات الترقية، بل إن البعض يستدل بها ضمنيًا في لجان التقييم، وهذه مخالفة صريحة للنص القانوني وتشكل انحرافًا في التنفيذ الإداري، كما أنه لا توجد آلية منظمة للطعن في قرارات رفض المحو، ولا يوجد ما يُلزم القرار الإداري ببيان الأسباب، في ظل غياب تنظيم هذا الإجراء في اللائحة التنفيذية، إن العدالة لا تُقاس بشدة العقوبة، بل بقدرة النظام الإداري على أن يعاقب حين يجب، وأن يغفر حين يحق.

زر الذهاب إلى الأعلى