ما الإنسان؟ المداخلة الثامنةَ عشرةَ: منهج التفكير (4)

بقلم/ مهدي امبيرش
كنا قد وعدنا أثناء عرض هذه المداخلات أننا سنتوقف ونحن نتحدث عن إشارات الإعراب، أن نفرق أولًا بين الإشارات والعلامة، وعرضًا قلنا إن العلامة هي الأقرب والأكثر تجسيدًا للمفهوم أو المفاهيم التي يراد التعبير عنها، فالعلامة تحيلنا إلى العلم وإلى الشهرة، ومن ثَم يقال عن الجبل المرتفع إنه علم، وبهذا المفهوم نقرأ البيت الذي ينسب إلى تماضر بنت عمرو بن الشريد، الخنساء، وهي تمدح أخاها صخرًا حيث تقول: وإن صخرًا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نارٌ.
والاسم العلم في العربية ليس عامًّا إلا إذا اشتهر صاحبه وبرز، ومن ثَم فإن قول المناطقة القواعديين إن اسمًا كعمر هو أسم علم وهذا ليس دقيقًا، بل هو اسم عام ولا يصير اسمًا علمًا إلا إذا اشتهر صاحبه، كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، أما الإشارة فهي أبعد من العلم، وفي العادة تكون بحركة متفق عليها كإشارة المرور، ومنها جاء مصطلح الشورى في العربية، حيث الأصل من اشتار العسل من الوقبة، وعادةً يكون باستخدام العصا، وكقوله تعالى في حق مريم عليه السلام (فأشارت إليه)، أي إلى ابنها عيسى عليه السلام كي يجيب على استغرابهم أنها ولدت طفلًا، والدليل على فهمهم الإشارة قولهم (كيف نكلم من كان في المهدي صبيًّا)، هنا نفهم أن الإشارة في الإعراب هي لعلامة مفهومية، ولكن العلامة نفسها تدل على المفهوم، وكلها تحيلنا إلى منهج التفكير، والعمليات المعقدة التي تتم في الذهن، فالرفع بوضع واو صغيرة فوق الرمز الخطي إشارة إلى القوة التي تأتي من الجماعة، وهنا تكون هذه الواو الصغيرة وفوق الرمز الخطي تحيلنا إلى العلامة وإلى بقية العمليات التي نقول عنها مجازًا إنها اللسان العربي.
وننبه هنا إلى أن الرمز الخطي ليس الحرف، فالواو هي رمز خطي للحرف في الذهن، ومن ثَم إذا أردنا أن نفهم الرمز الخطي علينا أن نعيده إلى الحرف، والأصل في الحرف في العربية حرف الجبل، وهو ما دق في حاشية منه، ولأن هذه تحيلنا إلى القوة هنا يرمز الخط إلى الرفع المعنوي، فالفاعل لابد أن يكون قويًّا، هنا نلاحظ من خلال الظاهرة المتميزة في العربية وهي الوزن، فإن المد في قولنا فاعل يدل على قدرته على فعل الفعل، كما أن المد يأخذ بعدًا ظرفيًّا زمنيًّا ومكانيًّا، مع التذكير بالعلاقة بين الفعل والفاعل التي قلنا إنها علاقة تضايف، فلا فعل بلا فاعل ولا فاعل بلا فعل، كما أن الفاعل كان اسمًا قبل أن يقوم بالفعل، والضم في الفاعل هنا ليس الضمة، فالظاهرة الإعرابية في الاسم، ذلك أن الأصل في العربية هو الضم، ولمزيد من الإيضاح فإن الضم يوضع فوق الرمز، فمكانه فوق الرمز الخطي يدعم القول إن الرفع يكشف عن قوة أو طاقة قد نقرؤها بالنسبة إلى الإنسان رفعًا معنويًّا، ومن ثَم فإن جره أو نصبه وهو فاعل، ليس خطأً في الإعراب ولكنه خطأٌ معياري أخلاقي، فالنصب في مفهومه التعب، ولا يكون القوي منصوبًا أو مرهقًا إلا إذا كان مفعولًا به، ولهذا نضع إشارة النصب أو التعب خطًّا أفقيًّا فوق الرمز الخطي وكأنه انطرح أرضًا لتعبه أو لنصبه، أما الكسر الذي يحيلنا إلى الجر فنرسمه خطًا أفقيًا في وضع أدنى من النصب، حيث نضعه تحت الرمز الخطي الذي يشير إلى علامة الكسر، ولهذا صوبنا الدارج في الإعراب في قول القواعديين إن الكسر علامة الجر، بل قلنا إن الجر علامة الكسر.
إن تناول هذا المبحث يحتاج إلى توسع نرجئه إلى مداخلة قادمة.